
لا تزال مخلفات الحرب الطويلة في سوريا تطارد شعبها وخاصة الأطفال، بعواقب مأساوية. حيث تشكل مخلفات الحرب القابلة للانفجار، بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، مصدر إصابات ووفيات في شمال غرب سوريا. هذه المخلفات التي خلفها نظام الأسد وحلفاؤه، تمثل تهديداً دائمًا وعشوائيًا للمدنيين، خاصة في المناطق السكنية والأراضي الزراعية.
في 15 نوفمبر، أصيب ثلاثة أشقاء في بلدة عزمارين غرب إدلب بجروح خطيرة عندما انفجرت قذيفة من مخلفات الحرب أثناء لعبهم في منزلهم، الذي كان ملاذا لهم بعد نزوحهم. فقد الطفل أنور، البالغ من العمر 10 سنوات، يده جراء الانفجار، مما غير حياته إلى الأبد.
كانت رشا شقيقة أنور، تنتظر بفارغ الصبر العودة إلى المدرسة، لكنها الآن ترقد مصابة إلى جانب إخوتها. وصف يحيى العلوش المتطوع في الدفاع المدني السوري المشهد المؤلم:
“كانت وجوههم ملطخة بالدماء، وأجسادهم مغطاة بالشظايا وعيونهم مليئة بالخوف. كان صوت الانفجار ثقيلا ومؤلمًا، وإصاباتهم تذكير مأساوي بكيفية استمرار مخلفات الحرب في تدمير الأرواح.”
تمتد مخاطر مخلفات الحرب إلى ما هو أبعد من الحوادث الفردية، ففي 23 نوفمبر قتل فتى يبلغ من العمر 13 عامًا وأصيب شقيقه البالغ من العمر 15 عاما عندما انفجر لغم أرضي أثناء قطفهم للزيتون قرب قرية معربليت في ريف إدلب. تتكرر مآس مماثلة يوميًا في سوريا، حيث تمثل مخلفات الحرب تهديدا دائمًا في الحقول والمنازل والأماكن العامة.
في يوليو الماضي، تسببت ستة انفجارات من مخلفات الحرب في مقتل شخص وإصابة عشرة آخرين من بينهم ثمانية أطفال وامرأة. وخلال النصف الأول من عام 2024 وقعت خمس حوادث في شمال غرب سوريا، أسفرت عن مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل، وإصابة عشرة آخرين جميعهم أطفال.
حجم التهديد هائل. وفقًا للدفاع المدني السوري، فإن 531 منطقة في شمال غرب سوريا ملوثة بالذخائر، منها 45 منطقة في الأراضي الزراعية. وفي أكتوبر وحده، أجرت فرق مسح الذخائر 119 مسحًا في 109 قرى، وحددت 71 منطقة ملوثة.
غالبا ما تنفجر مخلفات الحرب أثناء الأنشطة اليومية مثل الزراعة أو الرعي أو حتى داخل المنازل. في 22 سبتمبر قتل رجل وابنه وأصيبت زوجته وابنته الرضيعة عندما انفجرت إحدى مخلفات الحرب في منزلهم في كفر يحمول شمال إدلب. وفي وقت سابق من الشهر نفسه، قتل طفل أثناء رعي الأغنام في سهل الغاب بسبب انفجار مماثل.
تعد سوريا واحدة من أخطر الدول بالنسبة لضحايا الألغام ومخلفات الحرب في عام 2023، حيث سجلت البلاد 933 حالة وفاة وإصابة بسبب هذه المخاطر، ما يجعلها ثاني أخطر دولة بعد ميانمار، وفقًا للحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية. وخلال ثلاث سنوات متتالية 2020-2022، تصدرت سوريا القائمة العالمية لضحايا الألغام، حيث سجلت آلاف الضحايا سنويا.
يتصدر الدفاع المدني السوري الجهود المبذولة للتصدي لهذه المخلفات القاتلة. فقد تخلصت فرقهم من 1,054 قطعة من الذخائر غير المنفجرة، وتواصل إجراء مسوحات للذخائر وحملات توعية. ومع ذلك، فإن حجم التلوث يفوق بكثير الموارد المتاحة.
أكد العلوش على أهمية استمرار الجهود لحماية المدنيين: لقد زرع النظام وحلفاؤه موتا مؤقتًا طويل الأمد في كل مكان في الأراضي الزراعية وبين المنازل. حماية الأرواح من هذه المخلفات مسؤولية يجب أن نتحملها جميعًا لمنع وقوع كوارث مستقبلية.
بالنسبة للأطفال مثل رشا وأنور وحسين، فإن عواقب مخلفات الحرب مدمرة ودائمة ما كان ينبغي أن يكون يوما للفرح واللعب تحول إلى كابوس. إصاباتهم وصدماتهم تذكير مؤلم بالثمن الذي تدفعه سوريا نتيجة هذه المخلفات. وبينما يستمر الصراع، تبقى هذه القتلة الخفية تحديًا كبيرًا أمام تعافي سوريا، مهددة حياة وسبل عيش ومستقبل عدد لا يحصى من الأطفال.