حملة ردع العدوان تستعرض الدوافع المعقدة والمصالح المتباينة للأطراف المحلية والإقليمية والدولية المنخرطة في المعارك المتجددة في سوريا. كما تسلط الضوء على الجوانب الإنسانية التي تحفز الفصائل الثورية لإنهاء احتلال الأسد وإيران للأراضي السورية وتحرير المزيد من المناطق لصالح الشعب السوري الحر. المقالة كتبها للـL24 الكاتب الضيف، المدوّن والمحلل السياسي السوري معتز ناصر.
لقد عانت الثورة السورية من حالة طويلة من الركود، لكن التصعيد الإقليمي الأخير حول سوريا قد دفعها إلى الأمام. مع انشغال روسيا واستنزافها في أوكرانيا، تجد إيران نفسها الآن تكافح للحفاظ على نفوذها وأمنها الوطني. وتواجه ما تصفه بـ”الخيانة الصامتة” من نظام الأسد، بعد سنوات من الدعم المكلف الذي قدمته بدماء وأموال الشعب الإيراني. الآن، يبتعد نظام الأسد، تاركًا إيران وحدها لتواجه عواقب أفعالها، سواء داخليًا أو في المنطقة.
هذه اللحظة من الصراع هي ما انتظره السوريون لفترة طويلة. وإذا لم يستغلوا هذه الفرصة، فمن المحتمل ألا تعود مرة أخرى. لذلك، فإن المعركة الحالية في شمال غرب سوريا هي حدث جرى التحضير له لسنوات. والظروف الإنسانية للسوريين، سواء داخل البلاد أو خارجها، هي السبب الأبرز لهذا الصراع اليوم، لا سيما في ظل توفر الظروف الخارجية من إنهاك إيران وروسيا.
كان الهدف الاستراتيجي للمعركة استعادة السيطرة على مدينة حلب وأجزاء كبيرة من ريفها، بالإضافة إلى أجزاء من ريفي إدلب وحماة. كانت هذه المناطق تحت سيطرة الثوار ولكنها فقدت خلال الهجوم الروسي-الإيراني في 2019-2020.
الهدف الرئيسي من استعادة هذه المناطق هو إعادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين، خاصة الموجودين في أوروبا وتركيا، وتعزيز استقرارهم في مناطقهم كجماعات سكانية تقاوم المشاريع الإيرانية والروسية. ستعمل هذه المجتمعات جنبًا إلى جنب مع السلطات الثورية المحلية في شمال غرب سوريا لإنشاء نموذج حكم قائم على الحرية والعدالة والتنمية الاقتصادية.
إذا تم تحقيق ذلك، فسيشكل هذا النموذج تهديدًا وجوديًا للمشاريع الإيرانية والروسية في الشرق الأوسط. كما أنه سيعالج مجموعة من المخاوف لدى تركيا والدول الأوروبية التي تخشى تهديدات أمنية وطنية، مثل تدفقات اللاجئين، وتورط نظام الأسد في مجموعة من الأنشطة الشريرة.
من أبرز هذه الأنشطة تهريب المخدرات وتصدير الإرهاب – سواء من خلال الميليشيات الإيرانية، أو المرتزقة السوريين الذين جندتهم روسيا للقتال في أوكرانيا، أو الجماعات المتطرفة داخل سوريا التي استغلت غياب التنمية واليأس لتجنيد الافراد لأجنداتها الإرهابية.
لا تزال حلب ذات أهمية كبيرة لنظام الأسد سياسيًا واقتصاديًا وديموغرافيًا. فقدان حلب وجه ضربة نفسية قوية لأنصار النظام، كما قوّض السردية التي يسعى النظام دائمًا للحفاظ عليها عن السيطرة والقوة.
بالنسبة للثوار السوريين، فإن السيطرة على مدينة حيوية مثل حلب تمثل نقلة نوعية للثورة السورية، والانتقال من حالة الفوضى والتجزئة إلى الحكم وبناء الدولة. كما أن هذا يعالج معاناة أكثر من مليوني مدني يعيشون حاليًا تحت التهديد المستمر والانتهاكات الشديدة لنظام الأسد.
تحرير حلب قد يشجع على عودة عدد مماثل من اللاجئين من أوروبا وتركيا، بالإضافة إلى النازحين داخل سوريا. ويمثل ذلك خطوة مهمة على طريق الحل السياسي للثورة السورية، وضمان انتقال سلس للسلطة من سلطة إجرامية وغير فعالة إلى إدارة جديدة قائمة على المساواة، تحترم التنوّع وتعارض مشاريع إيران وروسيا.
مثل هذا التطور سينهي فعليًا وضع سوريا كدولة فاشلة، كما سيقضي على خطر انهيارها إلى مشهد متشظٍ تحكمه مجموعات مسلحة ذات مصالح وأيديولوجيات متضاربة، تهدف فقط إلى استغلال الأراضي السورية لتهديد الاستقرار الإقليمي والعالمي.
مع تحرير المدينة، وتحرير القوات الثورية لجميع مناطق إدلب ومعظم محافظة حلب، ووقوفها على أبواب حماة، يبقى الآن إعادة تأهيل وبناء مجتمع تمزق بفعل 14 عامًا من الصراع الطائفي الذي غذته الميليشيات الإيرانية، والاستغلال الاقتصادي لنظام الأسد، وبنية تحتية دمرتها القنابل الروسية – وهي مهمة لا يمكن تحقيقها إلا كأمة موحدة.