
تم الإعلان عن تشكيل حكومة انتقالية سورية جديدة، في خطوة محورية نحو إعادة بناء الدولة التي دمرتها الحرب ووضع أسس لمستقبل سلمي ومستقر. ويرأس الحكومة محمد البشير، وهو رجل يبلغ من العمر 41 عامًا وشغل سابقًا منصب رئيس حكومة الإنقاذ السورية في إدلب. تهدف هذه الهيئة الانتقالية إلى إدارة البلاد خلال فترة مؤقتة، لتحقيق الاستقرار والتحضير لإجراء انتخابات وطنية.
ستشرف هذه الحكومة على شؤون البلاد حتى مارس 2025، وتركز أهدافها الأساسية على الحفاظ على الأمن، وضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية، وتلبية تطلعات جميع السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الطائفية.
يأتي هذا الانتقال بعد فرار الدكتاتور السابق بشار الأسد إلى موسكو في 8 ديسمبر، عقب حملة عسكرية ناجحة لقوى الثورة بعنوان “ردع العدوان”. ومع سقوط نظام الأسد، أصبحت سوريا في مفترق طرق حاسم، حيث يتعين على الحكومة الانتقالية الحالية تحقيق الاستقرار في المؤسسات وإدارة عملية انتقال السلطة بسلاسة.
أكد رئيس الوزراء المؤقت محمد البشير أهمية التعاون بين بقايا النظام السابق والإدارة الجديدة. وقال في خطاب متلفز: “نأمل أن يساعد وزراء النظام المعزول خلفاءهم الشرفاء خلال المرحلة الانتقالية، خاصة في تسليم الملفات، لضمان استمرارية الخدمات”.
تضم الحكومة الانتقالية شخصيات ذات خبرة سبق لها أن شغلت مناصب في حكومة الإنقاذ في إدلب، مما يضمن وجود أفراد ذوي خبرة في إدارة الأزمات. ومن بين هؤلاء محمد عبد الرحمن، الذي يتولى الآن منصب وزير الداخلية. عبد الرحمن، وهو ضابط سابق وخريج الكلية العسكرية في حمص، يتمتع بخبرة قوية في الأمن وإنفاذ القانون، وهو أمر حيوي للحفاظ على الاستقرار والأمن خلال هذه المرحلة الحساسة.
ويتولى وزارة الإعلام محمد يعقوب العمر، وهو خريج كلية العلوم السياسية، وقد شدد على أهمية الشفافية والتواصل المفتوح مع الشعب السوري والمجتمع الدولي. أما عبد المنعم عبد الحفيظ، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فهو أكاديمي حاصل على درجة في العلوم الطبيعية من جامعة حلب، وستكون خبرته ضرورية لإعادة إحياء المؤسسات التعليمية السورية التي تضررت بشدة بسبب سنوات الصراع.
وفي وزارة العدل، تم تعيين خبير قانوني متمرس ذو خلفية في الشريعة الإسلامية للإشراف على الإصلاحات القضائية وضمان سيادة القانون في سوريا الجديدة. بينما يتولى باسل عبد العزيز، وزير الاقتصاد والموارد، مسؤولية استقرار اقتصاد البلاد وإدارة مواردها بكفاءة، وهو خريج في هندسة الطاقة. وسيتركز جهده على إعادة بناء الاقتصاد السوري وخلق فرص العمل للسوريين.
كما تم تعيين المهندس الزراعي محمد طه الأحمد وزيرًا للزراعة، وهو يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال. وتعمل وزارته على إحياء الزراعة وضمان الأمن الغذائي للسكان. يجلب جميع أعضاء هذه الحكومة المؤقتة خبرات متخصصة والتزامًا قويًا بإعادة بناء سوريا كدولة تخدم جميع مواطنيها.
يمثل الوزراء مزيجًا من الكفاءة التقنية والخبرة الإدارية والالتزام بمبادئ الثورة، مما يضمن أن تكون الحكومة المؤقتة مؤهلة لقيادة سوريا نحو الاستقرار ومستقبل أكثر إشراقًا. ويعكس تنوع الخبرات المهنية والأكاديمية في الحكومة التزامها بتعدد الخبرات والكفاءات.
تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة، من بينها إعادة بناء البنية التحتية وإعادة دمج السكان النازحين وتوحيد الأمة المنقسمة. تظل قضايا الأمن أولوية قصوى، خاصة مع استمرار العمليات الدولية ضد بقايا داعش في شمال شرق سوريا.
كما ورثت الحكومة مهمة معالجة الانهيار الاقتصادي في البلاد. ويعمل الوزراء بالفعل على دمج مؤسسات النظام السابق في الإطار الجديد وتبسيط الخدمات لتجنب أي تعطيلات.
أعربت القيادة الجديدة في سوريا عن رغبتها في إقامة علاقات دولية متوازنة تقوم على المصالح المتبادلة. وأكد المتحدث باسم إدارة الشؤون السياسية السورية أن أهداف الحكومة تشمل تحقيق العدالة، وتكريس سيادة القانون، وإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء الإقليميين والدوليين.
وقال المتحدث: “كان اجتماعنا مع سفراء الدول العربية وإيطاليا إيجابيًا. نحن ملتزمون بالعمل بتناغم مع المجتمع الدولي لتحقيق تطلعات شعبنا”.
عبّرت إدارة بايدن عن دعمها للانتقال بقيادة سورية، لكنها شددت على أهمية الشمولية والحكم غير الطائفي. ومع ذلك، أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن واشنطن ليست مستعدة بعد لإعادة فتح سفارتها في دمشق. وقال: “لا تزال هناك خطوات يجب اتخاذها قبل أن نتمكن من الاعتراف الكامل بقيادة سوريا الجديدة”.
وأشارت أوكرانيا إلى أنها ستعيد فتح سفارتها وتعيد العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية الجديدة بمجرد سحب اعتراف النظام السابق بضم روسيا للأراضي الأوكرانية، مما يشير إلى بداية جديدة للدبلوماسية الدولية لسوريا.
مع بدء سوريا هذا الانتقال التاريخي، تتجه أنظار العالم إلى دمشق. سيتحدد نجاح هذه الهيئة الانتقالية ما إذا كانت البلاد قادرة على النهوض من رماد الحرب وبناء مستقبل قائم على السلام والشمولية والصمود.