
شرعت الحكومة السورية الانتقالية في جهد هائل لإعادة بناء وتحديث البنية التحتية الكهربائية للبلاد، والتي دُمرت جراء أكثر من عقد من الحرب وسوء الإدارة تحت حكم النظام السابق. حجم التحدي هائل، حيث أسفر الدمار الواسع الذي طال محطات توليد الكهرباء وسرقة المعدات والإهمال طويل الأمد عن نظام يوفر الكهرباء لمعظم المواطنين لمدة ساعتين فقط في اليوم.
الإجراءات الطارئة والخطط طويلة المدى
وضع وزير الكهرباء المكلف في الحكومة الانتقالية، عمر الشقروق، خطة مرحلية لمعالجة الأزمة. وفي حديثه لشبكة “المملكة الأردنية”، وصف حالة قطاع الكهرباء في سوريا بأنها “صادمة” و”مدمرة”.
كأولوية عاجلة، تعمل الوزارة على تنفيذ خطة طارئة لزيادة توفر الكهرباء إلى 8-10 ساعات يوميًا خلال شهرين. وتشمل الاستراتيجية طويلة المدى ثلاث مراحل:
1. المرحلة الأولى (قصيرة المدى): إصلاح البنية التحتية الحرجة وإعادة ربط الشبكة الكهربائية مع الأردن، وهو ما يتطلب ستة أشهر من الصيانة.
2. المرحلة الثانية (متوسطة المدى): توسيع القدرة الكهربائية على مدار ثلاث سنوات لتوفير الكهرباء بشكل مستمر للمواطنين السوريين.
3. المرحلة الثالثة (طويلة المدى): تحقيق أهداف تنموية مثل إنشاء نظام طاقة حديث ومستدام لجذب الاستثمارات وتشجيع عودة السوريين النازحين.
التعاون الدولي
حظيت جهود إعادة بناء الشبكة الكهربائية في سوريا بدعم من الدول المجاورة. فقد تعهدت الأردن بتزويد سوريا بـ 250-300 ميغاواط من الكهرباء وإرسال فرق تقنية لتقييم جاهزية الشبكة. وأكد وزير الطاقة التركي ألبارسلان بيرقدار استعداد حكومته للمساهمة في توفير الخبرة والموارد، بما في ذلك إمكانية نشر محطات طاقة عائمة عبر شركة “كارباورشيب” التركية.
وقال بيرقدار: “قد يتم في البداية تلبية حاجة سوريا للكهرباء من خلال تصديرها من تركيا”. وأشار إلى أن تقييمات مفصلة لشبكة النقل السورية جارية لتحديد أفضل الطرق لمعالجة تحديات الطاقة في البلاد.
إرث الدمار
قبل اندلاع الحرب، كانت سوريا تنتج 8500 ميغاواط من الكهرباء سنويًا. لكن هذا الإنتاج انخفض إلى 3500 ميغاواط بسبب تدمير محطات طاقة رئيسية، بما في ذلك تلك الموجودة في محردة وحلب وزيزون. وتُقدر تكلفة إعادة بناء القطاع بـ 40 مليار دولار كأضرار مباشرة، بالإضافة إلى 80 مليار دولار كخسائر غير مباشرة، وفقًا لتصريحات مسؤولين سابقين.
وقد أجبر تدهور الخدمات معظم السوريين على الاعتماد على مولدات خاصة مكلفة أو ألواح شمسية، مع انقطاع التيار الكهربائي في المناطق الريفية لمدة تصل إلى 14 ساعة يوميًا. وطالب سكان دمشق بتوزيع أكثر عدلاً للكهرباء المخصصة، مشيرين إلى الفوارق بين الأحياء الغنية والمناطق الفقيرة.
التوقعات مقابل الجهود
يرى السوريون أن عودة الكهرباء الموثوقة رمز للتقدم والأمل في تعافي البلاد. ووعد أحمد الشرع، القائد العام للإدارة الانتقالية، في مقابلة حديثة بإعادة الخدمات الأساسية خلال عام. وقال الشرع: “لقد طالت معاناة شعبنا أكثر مما ينبغي. إعادة بناء سوريا تبدأ بتوفير كرامة المرافق الأساسية لمواطنينا”.
ومع ذلك، يتعين على الحكومة الناشئة موازنة توقعات الجمهور مع إمكانية تحقيق أهدافها في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية.
التحديات المستقبلية
رغم هذه الوعود المتفائلة، تواجه الحكومة الانتقالية عقبات كبيرة، بما في ذلك نقص قطع الغيار، الوقود التشغيلي، والتمويل. وصنّف البنك الدولي محطات الطاقة في سوريا إلى محطات كهرومائية وحرارية، مع حاجة العديد من المنشآت إلى إصلاحات واسعة أو استبدال كامل.
بدأت الحكومة الانتقالية محادثات مع شركاء دوليين، بما في ذلك تركيا والأردن، لتسريع عمليات الإصلاح واستكشاف حلول الطاقة البديلة. ومع ذلك، يؤكد حجم المهمة على صعوبة إعادة بناء بلد لا يزال يعاني من آثار أكثر من عقد من الصراع.
مستقبل مشرق
على الرغم من أن استعادة الكهرباء سيستغرق سنوات، تعتبر الحكومة الانتقالية هذا المشروع أساسياً لتعافي سوريا بشكل أوسع. وقال الشقروق: “الكهرباء ليست مجرد طاقة، بل هي محرك الحياة الحديثة والتنمية الاقتصادية وعودة الحياة الطبيعية لملايين السوريين”. وبالدعم الدولي والجهود المنسقة، تهدف الحكومة إلى إعادة النور إلى أمة عانت طويلاً من الظلام.