
أعلنت الحكومة السورية المؤقتة (STG) عن إصلاحات مالية واقتصادية كبيرة ضمن جهودها لتحقيق الاستقرار وإعادة تأهيل الاقتصاد السوري. واستعرضت محافظ البنك المركزي السوري ميساء صابرين ومسؤولو الحكومة المؤقتة خططاً لمعالجة التحديات المالية الملحة، بما في ذلك رفع رواتب موظفي الحكومة وإعادة هيكلة إطار السياسة النقدية في البلاد.
أولوية الاستقلالية والاستقرار للبنك المركزي
أكدت المحافظ صابرين أن البنك المركزي يمتلك احتياطيات كافية لتغطية رواتب الحكومة، بما في ذلك زيادة رواتب بنسبة 400٪ التي تم الإعلان عنها. وأكدت صابرين في حديثها لوكالة “رويترز” التزامها بتعزيز استقلالية البنك.
وقالت صابرين: “يعمل البنك المركزي على إعداد مسودة تعديل لقانون البنك لتعزيز استقلاليته، بما في ذلك منحه مزيداً من الحرية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية.”
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن تعزيز استقلالية البنك المركزي يعد أمراً ضرورياً لتحقيق استقرار مالي طويل الأمد. فقد كانت قرارات البنك، في ظل نظام الأسد، تخضع في كثير من الأحيان لتأثير الحكومة، مما قوض استقلاليته.
كما كشفت صابرين عن خطط لتوسيع خدمات البنوك الإسلامية لجذب العملاء الذين تجنبوا الأنظمة المصرفية التقليدية. ويسعى البنك المركزي من خلال السماح للبنوك التقليدية بفتح فروع إسلامية إلى تلبية الممارسات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، التي تحظر التعاملات القائمة على الفوائد.
تجنب التضخم
رغم امتناع البنك المركزي عن الإفصاح عن حجم احتياطياته الأجنبية، شددت صابرين على أهمية تجنب طباعة العملة لمنع التضخم. وأشارت إلى أنه تم السماح بتحويل الأموال الشخصية من السوريين في الخارج، وهي خطوة تُعتبر ضرورية لتوجيه العملات الأجنبية إلى الاقتصاد.
كما يهدف البنك المركزي إلى تنظيم محلات الصرافة والتحويلات المالية، التي أصبحت مصدراً مهماً للعملة الصعبة.
موازنة الحكومة المؤقتة لتلبية الاحتياجات العاجلة
وفي إعلان مرتبط، أقرت الحكومة السورية المؤقتة موازنة “شهرية” لعام 2025، حيث تم تقسيم الاعتمادات السنوية إلى تخصيصات شهرية لمواجهة التحديات الاقتصادية المستمرة في البلاد.
تم تصميم الموازنة المؤقتة لإعطاء الأولوية للضروريات الأساسية مع الحفاظ على الانضباط المالي. وتسمح الموازنة بتجاوز الاعتمادات المخصصة للرواتب والتعويضات، لضمان تمويل الزيادة الموعودة في أجور الموظفين الحكوميين بالكامل. كما تم تعديل أرصدة الوقود لتتوافق مع أسعار السوق الحالية.
ومع ذلك، حذر الباحث الاقتصادي يونس الكريم من أن قرار الحكومة المؤقتة بزيادة الرواتب وخفض الضرائب قد يؤدي إلى عجز في الموازنة. وقال الكريم: “الموازنة الشهرية فعالة في حالات الطوارئ، لكن الإفراط في الإنفاق قد يقوض فعاليتها.”
التغلب على التحديات السابقة
تمثل السياسات المالية للحكومة المؤقتة تحوّلاً كبيراً عن إرث نظام الأسد المتمثل في الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية. ففي ظل نظام الأسد، ساهمت الموازنات المنتفخة والفساد الواسع في تدهور الاقتصاد. وأكد محمد البشير، رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال في دمشق، الصعوبات المالية الموروثة.
وقال البشير في مقابلة مع صحيفة “إل كورييري ديلا سيرا” الإيطالية: “لا يوجد شيء في خزائن البنك المركزي سوى الليرة السورية، التي لا تساوي شيئاً.”
وتعمل حكومة تصريف الأعمال على إعادة بناء الثقة في المؤسسات العامة وخلق بيئة اقتصادية مستدامة. ويتضمن ذلك سلسلة من الاجتماعات بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وأصحاب المصلحة الاقتصاديين لإعادة تقييم الرسوم الجمركية.
نحو التعافي الاقتصادي
أكد وزير التجارة الداخلية ماهر خليل الحسن على أهمية خلق بيئة تجارية متوازنة تدعم المنتجين المحليين. وقال الحسن: “مهمتنا الرئيسية في الوقت الحالي هي ضخ الدماء في شرايين الاقتصاد، والحفاظ على المؤسسات، وخدمة المواطنين.”
تعكس هذه الإصلاحات، إلى جانب الاستراتيجيات الاقتصادية الأوسع للحكومة المؤقتة، جهداً حازماً لتحقيق استقرار الاقتصاد السوري ووضع أسس التعافي على المدى الطويل. ومع استمرار الحكومة في تنفيذ سياسات تركز على الشفافية والاستدامة، يظل الكثير من السوريين متفائلين بمستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً.