
كثفت الحكومة السورية الانتقالية جهودها لمكافحة التجارة غير المشروعة بالأسلحة والمخدرات، مستهدفة الشبكات التي ترسخت خلال حكم نظام الأسد. وكشفت العمليات الأخيرة التي نفذتها إدارة الأمن العام وإدارة العمليات العسكرية عن طرق تهريب واسعة ومستودعات ومصانع مرتبطة بإنتاج المخدرات، خصوصاً المنشط الأمفيتاميني المعروف بـ”الكبتاغون”.
إحباط تهريب أسلحة
أحبطت قوات الأمن، يوم الجمعة، محاولة تهريب أسلحة إلى لبنان عبر معابر غير شرعية في محافظة طرطوس. وتمكنت إدارة الأمن العام، بالتنسيق مع المخابرات المحلية، من اعتراض شحنة مخبأة داخل شاحنة تنقل علفاً. وصادرت السلطات أسلحة تضمنت بنادق كلاشينكوف، رشاشات، صواريخ موجهة، وذخائر، وفقاً لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وجاء في بيان رسمي: “تندرج هذه الجهود ضمن مبادرة أوسع لتأمين الحدود وتفكيك الشبكات غير الشرعية التي تهدد الاستقرار الإقليمي”.
وخلال اجتماع حديث في دمشق، شدد رئيس الوزراء اللبناني المؤقت نجيب ميقاتي مع رئيس الحكومة السورية الحالية أحمد الشرع على ضرورة تعزيز الضوابط الحدودية لمكافحة التهريب. وأعلن الشرع عن تشكيل لجان متخصصة لمعالجة قضية أمن الحدود، وهي قضية حيوية نظراً للطبيعة الجغرافية الوعرة والحدود المفتوحة بين البلدين.
حملة على الكبتاغون
في اللاذقية، كشفت قوات الأمن عن مستودع يُستخدم لتعبئة حبوب الكبتاغون داخل ألعاب أطفال وأثاث منزلي. وتم ربط هذا المستودع بفلول الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد، والتي كانت تستعد لشحنات موجهة إلى دول الخليج، بما في ذلك السعودية.
ويأتي ذلك بعد اكتشاف مصنع كبير للمخدرات داخل فيلا غرب دمشق تعود ملكيتها لماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع. واحتوى المصنع على مواد خام ومعدات لإنتاج الكبتاغون، وهي تجارة تقدر الحكومات الغربية قيمتها بمليارات الدولارات سنوياً.
وقال مسؤول أمني: “حوّلت الفرقة الرابعة والجهات المرتبطة بالنظام إنتاج الكبتاغون إلى ركيزة أساسية في اقتصاد سوريا خلال الحرب. والآن، يمثل تفكيك هذه العمليات أولوية قصوى للحكومة المؤقتة”.
تداعيات دولية
لم تكن تجارة الكبتاغون في ظل نظام الأسد مجرد جريمة بل أداة سياسية لتمويل النظام وممارسة الضغط على الدول المجاورة. فقد استخدم النظام إغراق الأسواق الخليجية بالمخدرات كوسيلة للحصول على مكاسب في مفاوضات التطبيع ورفع العقوبات.
لطالما اتهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها نظام الأسد بتسهيل إنتاج وتصدير الكبتاغون. ومع سقوط النظام، كشفت قوات الحكومة المؤقتة مدى هذه العمليات، وعثرت على مخازن في قواعد عسكرية ومراكز اعتقال وعقارات فاخرة.
إعادة التأهيل وإعادة الإعمار
شدد أحمد الشرع على ضرورة التعامل مع الإدمان كقضية صحية عامة. وأثناء حديثه في المسجد الأموي التاريخي، أوضح خططاً لسياسات انتقالية تهدف إلى الحد من تجارة المخدرات، وتأهيل الضحايا، وتوجيه الموارد نحو صناعات شرعية، بما في ذلك قطاع الأدوية المزدهر سابقاً في سوريا.
ويُعتقد أن إحياء قطاع الأدوية قد يوفر بديلاً مستداماً لإنتاج المخدرات غير الشرعية. لكن الخبراء يشيرون إلى أن تخفيف العقوبات المفروضة على القطاع الدوائي السوري سيكون ضرورياً لتأمين المواد الخام وجذب الاستثمارات الدولية.
تحديات مستقبلية
رغم التقدم الكبير، لا تزال عملية تفكيك تجارة المخدرات في سوريا مهمة معقدة. إذ تستمر مختبرات الكبتاغون الصغيرة في العمل، وتتكيف الشبكات الإجرامية عبر نقل الإنتاج إلى دول مجاورة مثل لبنان والعراق وتركيا.
وقال خبير في مكافحة المخدرات: “كان سقوط نظام الأسد نقطة تحول، لكن تجارة الكبتاغون لم تنتهِ بعد. هذه الشبكات مرنة وبدأت بالفعل في إعادة تمركز عملياتها”.
تواجه الحكومة المؤقتة التحدي المزدوج المتمثل في معالجة إرث سوريا في تجارة المخدرات وضمان الدعم الدولي لإعادة الإعمار. ومع عملها على إعادة بناء المؤسسات وتأمين الحدود، سيكون من الضروري مواصلة اليقظة والتعاون الدولي لضمان الاستقرار على المدى الطويل والحد من التأثير الإقليمي للتجارة غير المشروعة.