
أعلن الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين عن تعليق مؤقت للعقوبات الاقتصادية المحددة المفروضة على سوريا، وهو القرار الذي يهدف إلى دعم جهود الاستقرار والتعافي في البلاد بعد سقوط نظام الأسد الشهر الماضي. ويشمل هذا التعليق، الذي سيستمر لفترة أولية مدتها عام واحد، عقوبات على قطاعات الطاقة والنقل والبنوك، مما يشير إلى تحول كبير في نهج أوروبا تجاه سوريا بعد أكثر من عقد من العزلة والتدابير العقابية.
وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو القرار. وقال بارو: “سنرفع أو نعلق بعض العقوبات المحددة التي فرضت على قطاعي الطاقة والنقل، فضلاً عن المؤسسات المالية التي تشكل أهمية حيوية للاستقرار المالي للبلاد”.
وأكدت رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كلاس أن هذا النهج التدريجي يهدف إلى تحقيق التوازن بين الإغاثة الاقتصادية والمطالبات بالإصلاح السياسي. وقالت كلاس: “إذا اتخذت القيادة الجديدة في سوريا خطوات، فسوف يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات أيضًا”، مشددة على أن التعليق قابل للعكس في حالة تعثر التقدم.
قرار مدروس بعناية
تعكس هذه الخطوة التفاؤل والحذر بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ورغم أن تعليق العقوبات يهدف إلى تخفيف معاناة الاقتصاد السوري ، فإنه ليس “شيكا مفتوحا”، كما أكدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. وقالت بيربوك: “سيتعين على الحكام الجدد إشراك جميع شرائح السكان في عملية الانتقال، وهو ما ينبغي أن يؤدي إلى دستور جديد وانتخابات. كما يجب إعطاء الأولوية لحقوق المرأة وتمثيل الأقليات “.
ويرى الدبلوماسيون أن تخفيف العقوبات يشكل وسيلة لمعالجة الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية الملحة في سوريا، مع تشجيع حكومة تصريف الأعمال السورية على تنفيذ الإصلاحات. ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى تحسين البنية الأساسية وظروف المعيشة، وخاصة في قطاعي الطاقة والنقل، اللذين تم تحديدهما باعتبارهما حاسمين لاستقرار البلاد وتسهيل عودة اللاجئين.
حكومة تصريف الأعمال السورية ترحب بالقرار
رحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بقرار الاتحاد الأوروبي باعتباره خطوة إيجابية نحو التعافي الاقتصادي. وقال الشيباني في بيان “نرحب بحرارة بتعليق العقوبات لمدة عام ونأمل أن يمهد هذا الطريق لرفعها بشكل دائم”. وأضاف أن هذه الخطوة “ستكون لها آثار إيجابية على كافة جوانب حياة الشعب السوري وتضمن التنمية المستدامة”.
وكانت حكومة سوريا قد أكدت صراحة على ضرورة رفع العقوبات الدولية لتعزيز إعادة الإعمار وتخفيف المعاناة الاقتصادية لملايين السوريين. وأشار وزير التجارة السوري ماهر خليل الحسن في وقت سابق إلى أن العقوبات حدت بشدة من قدرة البلاد على استيراد السلع الأساسية مثل الوقود والقمح، على الرغم من استعداد دول عدّة لتوفيرها.
التداعيات الاقتصادية والسياسية
يأتي تخفيف العقوبات في وقت تواجه فيه سوريا وضعا اقتصاديا مزريا، حيث قدر تقرير للأمم المتحدة أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 64% منذ عام 2011، وأن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. ويأمل الخبراء أن يؤدي تخفيف العقوبات إلى تنشيط القطاعات الرئيسية وتحسين مستويات المعيشة وتقليل العبء على الدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.
إن قرار الاتحاد الأوروبي بتعليق العقوبات على سوريا يشمل إجراءات من شأنها أن تسمح للمطارات السورية بالعمل بشكل أكثر فعالية، وتسهيل حركة البضائع والأشخاص. كما يُنظَر إلى إعادة بناء قطاع الطاقة باعتباره أمراً ضرورياً لاستقرار الحياة اليومية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ولكن الاتحاد الأوروبي أوضح أن تعليق العقوبات مشروط وقابل للعكس. وأكد الدبلوماسيون الأوروبيون أن تخفيف العقوبات في المستقبل سوف يعتمد على التقدم الذي تحرزه الإدارة السورية الجديدة في مجالات مثل الحكم وحقوق الإنسان وإزالة “التأثيرات الأجنبية” وإشراك جميع الجماعات الدينية والعرقية في العملية السياسية.
التطلع إلى الأمام
مع انطلاق سوريا على مسار هش نحو التعافي، فإن قرار الاتحاد الأوروبي بتعليق العقوبات يشكل خطوة حاسمة في معالجة الأزمات الإنسانية والاقتصادية التي تعاني منها البلاد. ومع ذلك، ونظراً لأن التعليق سيستمر لمدة عام واحد فقط، فإن العبء يقع على عاتق الإدارة السورية الجديدة لإظهار تقدم ملموس في الحكم والتشاركية وحقوق الإنسان.
وأكدت كايا كلاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، على هذه النقطة، حيث صرحت بأن الاتحاد مستعد لإعادة فتح سفارته في دمشق لمراقبة التطورات عن كثب. كما أكد الاتحاد الأوروبي التزامه بدعم عمل الأمم المتحدة في تسهيل الانتقال السياسي الشامل في سوريا. وقالت كلاس: “هذه فرصة تاريخية لسوريا. إن مستقبل شعبها يعتمد على الخطوات التي ستتخذ في الأشهر المقبلة”.