
وصل الرئيس السوري أحمد الشرع إلى تركيا أمس، 4 فبراير/شباط، في زيارة تاريخية، تمثل أول زيارة رسمية لرئيس دولة سوري إلى أنقرة منذ أكثر من 13 عامًا. ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزيارة بأنها “تاريخية”، وهي تشير إلى تحول كبير في العلاقات السورية التركية، حيث أكد الزعيمان على التعاون الأمني، وإعادة التنمية الاقتصادية، والاستقرار الإقليمي.
إعادة تنظيم الدبلوماسية والتعاون الأمني
خلال مؤتمر صحفي مشترك في المجمع الرئاسي، أكد أردوغان التزام تركيا بالعمل مع سوريا لمكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار. وذكر على وجه التحديد الجهود المبذولة لمواجهة تنظيم الدولة (داعش) وحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة منظمة إرهابية – والذي يحتفظ بنفوذ على قوات سوريا الديمقراطية (SDF) المدعومة من الولايات المتحدة.
وقال أردوغان “إن أساس سياستنا تجاه سوريا كان منذ فترة طويلة الحفاظ على سلامة أراضيها ووحدتها. ومن خلال التضامن بين سوريا وتركيا، سنضمن جوًا خاليًا من الإرهاب في جغرافيتنا المشتركة”.
من جانبه، أكد الشرع على ضرورة رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا ومعالجة التوغلات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي السورية. وأكد التزام دمشق باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 بشأن مرتفعات الجولان ودعا إلى زيادة دعم العالم العربي والإسلامي لجهود إعادة الإعمار في سوريا.
اتفاقية دفاع محتملة وتنسيق عسكري
تأتي الزيارة وسط تقارير تفيد بأن سوريا وتركيا تتفاوضان على اتفاقية دفاع مشترك. ووفقًا لمصادر نقلتها رويترز، تشمل المناقشات إنشاء تركيا لقاعدتين جويتين في وسط سوريا، واستخدام المجال الجوي السوري للعمليات العسكرية، وتوفير التدريب للجيش السوري الذي تم تشكيله حديثًا.
بينما لا يزال الاتفاق في مرحلة التفاوض، أشار مسؤول رئاسي سوري إلى أن دور أنقرة في التدريب العسكري والتعاون الأمني كان محورًا رئيسيًا للمحادثات. إن القواعد المحتملة – مطار تدمر العسكري وقاعدة تي فور الجوية في محافظة حمص – ستكون بمثابة مواقع استراتيجية لعمليات مكافحة الإرهاب والاستقرار الإقليمي.
وأشارت مصادر مطلعة على المناقشات إلى أن مثل هذا الترتيب الدفاعي يمكن أن يؤثر على الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا. وتهدف الاتفاقية المقترحة إلى طمأنة واشنطن بشأن وجود جهاز أمني قادر في سوريا مع الحد من طرق تهريب الأسلحة وتسهيل الانسحاب الأمريكي في نهاية المطاف.
التعافي الاقتصادي والتكامل الإقليمي
وبعيدًا عن الأمن، احتلت إعادة التنمية الاقتصادية مكانة بارزة في المناقشات. وشدد الزعيمان على الحاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية والتعاون التجاري والجهود الإنسانية لتحقيق الاستقرار في سوريا وتشجيع العودة الطوعية للاجئين. وأكد أردوغان التزام تركيا بدعم جهود إعادة الإعمار، مسلطًا الضوء على أن العقوبات لا تزال تشكل عقبة رئيسية أمام الانتعاش الاقتصادي في سوريا.
وقال أردوغان: “لم نترك إخواننا السوريين وحدهم في الأوقات الصعبة، وسنقدم لهم الدعم اللازم في هذه المرحلة الجديدة أيضًا”.
وقد انخرطت تركيا، التي أعادت مؤخرا فتح سفارتها في دمشق واستأنفت رحلاتها إلى سوريا، في جهود دبلوماسية لإعادة دمج سوريا في الأطر الإقليمية والدولية. وأعرب أردوغان عن ثقته في أن العلاقات بين دمشق وأنقرة سوف تتعمق، مع وجود خطط لزيادة الزيارات الرسمية والتعاون في التجارة والطاقة والطيران المدني.
فصل جديد في العلاقات السورية التركية
تأتي زيارة الشرع في أعقاب زيارته السابقة إلى المملكة العربية السعودية، مما يشير إلى استراتيجية دبلوماسية نشطة تهدف إلى تعزيز موقف سوريا في المنطقة. وخلال زيارته لأنقرة، وجه الشرع دعوة إلى أردوغان لزيارة سوريا، مما عزز الالتزام بمواصلة الحوار والتعاون.
ومع تأكيد الزعيمين على ضرورة التحول من العداءات السابقة إلى شراكة استراتيجية، تشكل الزيارة نقطة تحول في العلاقات السورية التركية. ووصفها أردوغان بأنها “بداية مرحلة من الصداقة والتعاون الدائم”، في حين سلط الشرع الضوء على العلاقات التاريخية والجغرافية طويلة الأمد بين البلدين.