
تكثف الحكومة السورية جهودها لتأمين حدودها التي يسهل اختراقها في مواجهة مزيج معقد من التهديدات، بما في ذلك شبكات التهريب، والضربات الجوية الإسرائيلية، والاشتباكات العنيفة مع الجماعات المسلحة. وفي الأيام الأخيرة، شنت قوات الأمن عمليات على طول الحدود السورية مع تركيا ولبنان، مستهدفة تجار المخدرات، ومهربي الأسلحة، والميليشيات التي استغلت عدم الاستقرار في البلاد لفترة طويلة.
حملة صارمة على شبكات التهريب
أعلنت وزارة الداخلية السورية أن فرع إدلب في إدارة أمن الحدود دمر عدداً من أنفاق التهريب في منطقة أطمة الحدودية مع تركيا. وقال مسؤولون إن هذه الأنفاق كانت تستخدم لتسهيل العبور غير الشرعي ونقل المواد الممنوعة بما في ذلك الأسلحة والمخدرات. وألقي القبض على عدد من المهربين في العملية.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات السورية والتركية للحد من عمليات العبور غير المشروعة، فقد ازدهرت عمليات التهريب على طول الحدود في السنوات الأخيرة. وأصبحت تجارة البشر منتشرة على نطاق واسع. وقد تكيف المهربون مع الوضع باستخدام أساليب متطورة لتجاوز التدابير الأمنية، بما في ذلك الأنفاق المخفية والطرق الجبلية الوعرة.
غارات جوية إسرائيلية تستهدف “طرق تهريب لحزب الله”
ولا يزال الوضع على الحدود السورية اللبنانية متقلبا بنفس القدر. ففي يوم الأحد، شنت طائرات حربية إسرائيلية غارات جوية على نفق في وادي البقاع، زعم الجيش الإسرائيلي أن حزب الله يستخدمه “لتهريب الأسلحة من سوريا إلى لبنان”. ووفقا لمسؤولين إسرائيليين، كان النفق مستهدفا في السابق، لكن حزب الله استأنف استخدامه لنقل الأسلحة.
كما قصفت إسرائيل عدة مواقع لحزب الله داخل لبنان، بما في ذلك مواقع تخزين صواريخ مزعومة، وسط توترات مستمرة على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره لندن أن الغارات الجوية الإسرائيلية استهدفت أيضًا “مستودع أسلحة مرتبطًا بحماس” في محافظة ريف دمشق، مما يشير إلى استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية.
تصاعد الاشتباكات على الحدود السورية اللبنانية
في هذه الأثناء، خاض الجيش السوري معارك ضارية مع مهربين مسلحين وميليشيات لبنانية على طول الحدود بالقرب من القصير في غرب حمص. ولليوم الثالث على التوالي، أسفرت الاشتباكات بين قوات الأمن السورية ومواطنين لبنانيين مرتبطين بحزب الله ومتورطين في تهريب المخدرات والأسلحة عن سقوط ضحايا من الجانبين.
وكانت أعمال العنف مكثفة بشكل خاص في بلدة مطربة، حيث نشر الجيش السوري تعزيزات إضافية لاستعادة السيطرة عليها. وتشير التقارير إلى أن الجيش نجح في توسيع وجوده ليشمل قرى رئيسية، بما في ذلك أكوم، وبلوزة، وزيتا، وهيت، وبويط.
وعلى الجانب اللبناني، تعرضت بلدة جرمش لقصف صاروخي وطائرات بدون طيار، كما وردت أنباء عن قصف مدفعي على قريتي القصر والهرمل الحدوديتين. وردا على ذلك، نشر الجيش اللبناني تعزيزات وحذر المسلحين المرتبطين بحزب الله وطالبهم بالانسحاب من المناطق الحدودية.
جهود دبلوماسية وتعزيزات عسكرية
دفع التصعيد إلى إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس اللبناني جوزيف عون والرئيس السوري أحمد الشرع، أكد خلاله الزعيمان على ضرورة التنسيق لخفض التوترات. لكن عون أمر بعد وقت قصير من المكالمة الجيش اللبناني باستهداف مواقع داخل الأراضي السورية ردا على القصف عبر الحدود. وتم نشر وحدات عسكرية لبنانية في وقت لاحق للتعامل مع مصادر النيران القادمة من سوريا.
وفي خضم الفوضى، أرسلت وزارة الدفاع السورية تعزيزات عسكرية إلى منطقة القصير، مع التركيز على تفكيك شبكات الإرهاب المرتبطة بحزب الله والتي حولت الحدود السورية اللبنانية إلى مركز للتجارة غير المشروعة. وأطلقت الفرقة 103 التابعة للجيش، بالتعاون مع جهاز الأمن السوري، عمليات تمشيط لتحييد طرق التهريب ومنع الجماعات المسلحة من إعادة تجميع صفوفها.
تكثيف الحرب على تجارة المخدرات
كما كثفت سوريا جهودها لمكافحة تجارة المخدرات، وهي عامل رئيسي مزعزع للاستقرار في المنطقة. فقد ضبطت وزارة الداخلية مؤخرا أكثر من سبعة ملايين حبة كبتاجون عند معبر نصيب الحدودي في درعا، مما منع تصديرها إلى المملكة العربية السعودية. وتقدر السلطات أن أكثر من 100 مليون حبة من هذا القبيل كانت معدة للتهريب، وهو ما يؤكد حجم تجارة المخدرات غير المشروعة.
وفي القنيطرة، فككت قوات الأمن شبكة مرتبطة بتجارة الأسلحة، واعتقلت عدة أفراد، وضبطت كميات كبيرة من المخدرات. وأكدت وزارة الداخلية أن سوريا ملتزمة بـ “تجفيف منابع” إنتاج المخدرات وتهريبها، والتي ازدهرت إلى حد كبير في ظل نظام الأسد السابق.
التحديات الأمنية المستمرة
ورغم التدابير الأمنية التي اتخذتها الحكومة، تظل الحدود السورية متقلبة للغاية، مع ظهور تهديدات على جبهات متعددة. ويواصل الجيش الإسرائيلي غزو واحتلال الأراضي السورية ، في حين تستمر الاشتباكات مع العصابات الإجرامية وشبكات التهريب والميليشيات المسلحة على طول الحدود اللبنانية.
وبينما تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى تأكيد السيطرة على حدودها، فإن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت عملياتها الأمنية قادرة على استعادة الاستقرار أو ما إذا كانت الصراعات المستمرة سوف تؤدي إلى ترسيخ حدود البلاد المتصدعة في حالة من الفوضى والعنف.