
بالنسبة لكثير من السوريين، يُفترض أن يكون رمضان هذا العام بداية جديدة — هو الأول منذ أكثر من عقد بعيدًا عن قبضة نظام الأسد. ومع ذلك، بالنسبة لآلاف النازحين، يُعد هذا الشهر الكريم تذكيرًا مؤلمًا بأن التحرير لم يعنِ بعدُ العودة إلى الوطن. في جميع أنحاء سوريا، لا تزال أحياء بأكملها وقرى ومدن مدمرة، ما يجعل العائلات غير قادرة على إعادة بناء حياتها حتى مع دخول البلاد حقبة جديدة.
جهود إعادة الإعمار متعثرة
رغم سقوط النظام السابق، فإن جهود إعادة الإعمار على نطاق واسع تسير ببطء، بسبب استمرار العقوبات. لا تزال العديد من المدن، بما في ذلك حلب وحمص وأجزاء من دمشق، تحمل ندوب سنوات الحرب. العائلات التي فرت خلال الصراع تتوق للعودة، لكن منازلهم غير صالحة للسكن.
يقول أحد سكان دمشق: “الفرق الأكبر هذا العام هو أن العائلات أصبحت قادرة أخيرًا على العودة إلى وطنها، لكن الكثيرين ما زالوا ينتظرون إعادة بناء منازلهم”. إن نقص إعادة الإعمار يجعل الكثيرين يشعرون بأنهم عالقون بين ماضٍ يرغبون في تجاوزه ومستقبل غير مؤكد. بدأت بعض الأحياء تشهد بوادر انتعاش، لكن الأزمة الاقتصادية جعلت من الصعب على العائلات تحمّل تكاليف الإصلاح.
عودة الحياة للمساجد والأسواق
رغم هذه التحديات، كان السوريون حريصين على استعادة تقاليدهم الدينية والثقافية. شهدت المساجد في جميع أنحاء البلاد هذا الشهر (رمضان) عمليات ترميم طال انتظارها، حيث قاد المتطوعون جهود التنظيف والصيانة. وتم تجهيز المسجد الأموي في دمشق — الذي عانى من الإهمال لفترة طويلة في ظل النظام السابق — بسجاد جديد وإضاءة حديثة بفضل جهود منظمة “HAND” غير الربحية. تجري مشاريع ترميم مماثلة في حلب وحمص، حيث تتكاتف المجتمعات المحلية لتجهيز أماكن العبادة للصلاة الليلية وتلاوة القرآن.
عادت الأسواق أيضًا إلى الحياة. عاد الباعة إلى الشوارع، وأدى غياب الضرائب المفروضة من النظام السابق إلى انخفاض أسعار السلع. الأجواء مختلفة بشكل واضح عن السنوات السابقة، حيث يتبنى العديد من السوريين إحساسًا جديدًا بالحرية. ومع ذلك، فإن هذه الفرحة تمتزج بصعوبات اقتصادية مستمرة. فبينما تستطيع بعض العائلات التسوق لاحتياجات رمضان، لا يزال الكثيرون يعانون من دخل محدود وظروف معيشية غير مستقرة.
رمضان والصمود
بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا نازحين، يُعد رمضان هذا العام فصلًا آخر في رحلتهم الطويلة نحو الوطن. يصف بكري إياد، أحد سكان حلب، مشاعر مختلطة خلال هذا الموسم. يقول: “هناك فرح في الشوارع، لكن الكثيرين ما زالوا يعيشون في منازل مؤقتة. من الصعب أن تحتفل حقًا عندما لا يكون لديك منزل خاص بك”.
في دمشق، سمح فتح الطرق بلمّ شمل العائلات من محافظات مختلفة خلال هذا الشهر المبارك. ومع ذلك، فإن القدرة على الزيارة لا تعني دائمًا القدرة على البقاء. وبينما يحتفل السوريون بأول رمضان في عهد جديد، تظل روح الصمود قوية. لكن بالنسبة لآلاف الأشخاص الذين ما زالوا ينتظرون بدء إعادة الإعمار، فإن التحرير الحقيقي لن يتحقق إلا عندما يتمكنون أخيرًا من إفطارهم، ليس في مخيمات النزوح أو البيوت المؤجرة، بل في منازلهم الخاصة.