
كشفت وثائق استخباراتية مسربة أن نظام الأسد راقب عن كثب الفصائل الثورية المسلحة والتحركات العسكرية التركية قبل الحملة المحورية المعروفة باسم “عملية ردع العدوان” في أواخر نوفمبر 2024.
الوثائق، التي حصلت عليها وكالة التحقق “سند” التابعة لشبكة الجزيرة، صادرة عن فرع الاستخبارات العسكرية التابع للنظام في حلب. وتُظهر أن مسؤولي الاستخبارات كانت لديهم معرفة مسبقة بالهجمات الثورية، كما تتبعت التحركات في المناطق المحررة بدقة كبيرة.
مراقبة القوات الثورية والتركية
توضح الوثائق، التي تعود إلى شهري أكتوبر ونوفمبر 2024، كيف تابع جهاز استخبارات الأسد أنشطة “هيئة تحرير الشام” والفصائل المدعومة من تركيا. وشملت التقارير تتبع القوافل العسكرية، وتحديد الطرق الاستراتيجية، ورصد الاجتماعات رفيعة المستوى.
لم تقتصر مراقبة النظام على الفصائل الثورية فقط، بل امتدت لتشمل تحركات القوافل العسكرية التركية أيضاً، حيث تم تسجيل تحركات القوات ورسم خرائط لخطوط الإمداد. وتشير هذه التقارير إلى وجود شبكة متقدمة قادرة على تتبع القوات منذ لحظة انطلاقها حتى وصولها إلى وجهاتها النهائية.
تتضمن خريطة استخباراتية مؤرخة في 23 نوفمبر 2024، أبرز التحركات العسكرية التركية والثورية في غرب حلب وإدلب، مما يوضح قدرة النظام على مراقبة التطورات بشكل فوري، ما يشير إلى وجود خرق أمني عميق في المناطق المحررة.
مراقبة متقدمة وتجسس
يشير حجم المراقبة إلى استخدام مزيج من الاستطلاع، والاستخبارات الإشارية، والمخبرين. ويعتقد المحللون أنه في المناطق الجنوبية، كانت القوافل مرئية من مواقع النظام. لكن في التضاريس الوعرة شمالاً، اعتمد جمع المعلومات على مصادر داخل الصفوف الثورية.
من خلال تحليل الطرق العسكرية، تمكنت استخبارات النظام من تحديد مراكز لوجستية رئيسية، أبرزها مدينة “أتارب”، وهي بلدة استراتيجية تربط القواعد العسكرية التركية بجبهات القتال الثورية. وتُظهر قدرة النظام على تتبع القوافل عبر خطوط إمداد ثابتة مدى تنظيم الجهود الاستخباراتية واستمراريتها.
مراقبة هيئة تحرير الشام
تفصّل الوثائق المسربة أيضاً مراقبة دقيقة لـ”هيئة تحرير الشام”، الفصيل المسيطر في شمال سوريا. وسجلت تقارير الاستخبارات اجتماعات، ومواقع تخزين الأسلحة، وجهود التنسيق في ما لا يقل عن 12 موقعاً خلال أوائل نوفمبر 2024.
أحد التقارير، بعنوان “استعدادات المسلحين لمهاجمة قواتنا”، يصف خطط قادة الفصائل لشن هجوم على مواقع النظام. وتشير التوقيتات، قبل أسبوعين فقط من المعركة، إلى أن النظام كان على علم مسبق بهذه الخطط.
تطرقت التقارير أيضاً إلى وصول أجهزة تشويش وتعديلات على الطائرات المسيّرة داخل المناطق المحررة، مما يشير إلى أن استخبارات النظام كانت تتابع الاستعدادات التكنولوجية إلى جانب التحركات العسكرية.
تتبع اجتماع تركي-ثوري سري
كشفت التسريبات أن استخبارات النظام راقبت اجتماعاً سرياً عقد في مدينة “غازي عنتاب” التركية في أكتوبر 2024. وحضر الاجتماع ضباط استخبارات أتراك وقادة فصائل ثورية، حيث تمحور النقاش حول خطط لشن هجوم على قوات النظام.
وفقاً للوثائق، أبلغ المسؤولون الأتراك القادة الثوريين أنهم لن يقدموا دعماً عسكرياً للعملية. تتوافق هذه المعلومات مع تقرير لوكالة “رويترز” أشار إلى أن الفصائل الثورية كانت تعتقد أن تركيا وافقت ضمنياً على الهجوم لكنها لم تقدم أي مساعدة لاحقاً.
خرق استخباراتي خطير
تُثير هذه الوثائق المسربة تساؤلات حول مدى تغلغل النظام في صفوف الفصائل الثورية وتأثير ذلك على سير العمليات. وبينما لا تزال العواقب الكاملة لهذا الخرق غير واضحة، تشير النتائج إلى أن الفصائل الثورية واجهت مخاطر استخباراتية كبيرة قبل اندلاع المعركة.
يبقى مدى اختراق استخبارات الأسد غير معروف، لكن هذه التسريبات تقدم لمحة نادرة عن العمليات السرية التي شكلت الأشهر الأخيرة من حكم النظام.