
لأول مرة منذ سقوط نظام الأسد، شاركت سوريا رسميًا في منتدى أنطاليا الدبلوماسي، مما يُعد لحظة محورية في عودتها إلى الساحة الدبلوماسية الإقليمية. وقد ترأس الرئيس السوري أحمد الشرع وفدًا رفيع المستوى إلى الحدث الذي عُقد بين 11 و13 أبريل تحت شعار “الدفاع عن الدبلوماسية في عالم منقسم”.
ووصف الشرع المنتدى بأنه “فرصة قيّمة” للرئاسة السورية، مشيرًا إلى أن الاجتماع أتاح “تبادل وجهات النظر مع عدد من القادة والمسؤولين حول التحديات الإقليمية والدولية الحالية”. وجدد التزام سوريا بالسيادة والحوار وحل النزاعات سلميًا.
لقاءات ثنائية وتحالفات متغيرة
كان الوفد السوري نشطًا بشكل واضح خلال الأيام الثلاثة للمنتدى، حيث عقد الرئيس الشرع لقاءات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وقادة من كوسوفو وليبيا وأذربيجان. ومن أبرز نتائج تلك اللقاءات، الاتفاق مع رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة على إعادة تفعيل اللجنة الليبية السورية العليا، وهي إطار للتعاون الثنائي في القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
وقد كان اللقاء مع رئيسة كوسوفو، فيوسا عثماني، لافتًا كونه يمثل خروجًا رمزيًا عن السياسات الخارجية السابقة لدمشق، حيث كانت سوريا في عهد الأسد تعارض استقلال كوسوفو. إن انفتاح الشرع على كوسوفو يشير إلى رغبة في بناء جسور دبلوماسية حتى مع الدول التي لم تكن معترفًا بها سابقًا.
من جهته، أعرب رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، عن دعمه لرؤية الشرع لسوريا شاملة، وكتب على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن اللقاء يعكس “التزامًا مشتركًا بالسلام الإقليمي ومحاربة داعش”.
دور تركيا في المنطقة
جاء انعقاد المنتدى في ظل تصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل بشأن دور كل منهما في سوريا. وحذر أردوغان في كلمته الافتتاحية من محاولات “جرّ سوريا إلى دائرة جديدة من عدم الاستقرار”، متهمًا إسرائيل بالسعي إلى “تقويض” مرحلة ما بعد الأسد في سوريا.
وأشاد أردوغان بثورة سوريا في 8 ديسمبر، التي أطاحت بالأسد، مؤكدًا دعم أنقرة لسيادة سوريا. وقال: “لا يمكننا أن نسمح بتضييع فرصة الاستقرار الدائم في سوريا”. كما أكد استمرار الحوار مع قوى دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، للحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
وفي المقابل، عبّر مسؤولون إسرائيليون عن قلقهم من تنامي النفوذ التركي في سوريا، حيث حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا من أن الأنشطة العسكرية التركية، بما فيها الاهتمام المحتمل بقاعدتي T-4 وغيرها، تمثل “تهديدًا أمنيًا”.
منصة لإعادة البناء
استقطب منتدى أنطاليا أكثر من 4000 مشارك من 140 دولة، بينهم أكثر من 70 وزيرًا و20 رئيس دولة. وخصصت جلسة خاصة للحديث عن الانتقال في سوريا وآفاق الاستقرار فيها، حيث أضفى حضور الشرع وزنًا إضافيًا للحوار، بحسب المنظمين.
وقد شكلت مشاركة الرئيس السوري، والاستقبال الحافل من قبل تركيا المضيفة، ليس فقط محطة دبلوماسية مهمة، بل أيضًا إشارة على أن دمشق بصدد إعادة ضبط سياستها الخارجية. وكما قال أردوغان: “لا نريد دمًا وتوترًا، بل ازدهارًا واستقرارًا”. وبالنسبة لسوريا، قد تمثل أنطاليا الخطوة الأولى نحو هذا المستقبل.