
في تحول كبير، استأنفت تركيا بعض العمليات الجمركية في معابرها البرية مع سوريا، في خطوة حذرة نحو تعاون ثنائي متجدد بعد سنوات من العلاقات المتوترة في ظل نظام الأسد. وأصدرت وزارة التجارة التركية تعميماً في 21 أبريل 2025، يُجيز إعادة تفعيل الخدمات الجمركية للمسافرين ومركباتهم في نقاط حدودية محددة، منهيةً تعليقاً كان سارياً منذ عام 2011 بسبب المخاوف الأمنية.
تتيح هذه الخطوة للأفراد والمسافرين التجاريين الدخول والخروج من البلدين بمركباتهم الشخصية والتجارية، بشرط استيفائهم للمتطلبات التنظيمية والالتزام بفترات الإقامة المسموح بها. وعلى الرغم من أن التعميم لم يؤكد استئناف حركة المسافرين الكاملة، فإن إعادة الفتح تُعتبر بادرة استراتيجية في ظل تغيّر ديناميكيات العلاقات التركية السورية.
اتفاقيات تجارة وعبور قيد الإعداد
في مؤتمر صحفي عقب اجتماع لجنة التنسيق الاقتصادي، أعلن وزير التجارة التركي عمر بولات عن اتفاق بين الحكومتين لتخفيف قيود العبور الجمركي وتحفيز التجارة عبر الحدود. وقال بولات: “هذه الخطوات تعكس نهجاً جديداً لتعزيز علاقات حسن الجوار”، مشيراً إلى دعمه لرفع العقوبات المفروضة على سوريا في إطار جهود تحقيق الاستقرار الأوسع.
وكشف بولات أيضاً عن عقد اجتماعات تنسيقية نصف شهرية بين المسؤولين الأتراك والسوريين، متوقعاً إبرام اتفاقيات مستقبلية بشأن لوجستيات الشحن، بما في ذلك عمليات التحميل والتفريغ، خلال الأسابيع المقبلة. وقد تعزز هذه التغيرات موقع سوريا كمركز عبور بين تركيا والشرق الأوسط الأوسع.
معابر تُفتح بإدارة سورية
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت الإدارة السورية الجديدة عن توليها السيطرة الكاملة على أربعة معابر حدودية رئيسية في شمال حلب—جرابلس، الراعي، باب السلامة، والحمام—وذلك عقب تنسيق ثنائي مع تركيا. كما أن إعادة فتح معبر كسب، المغلق منذ فترة طويلة، في يناير الماضي، تعكس مزيداً من الانفراج في العلاقات، وتُتيح للمواطنين السوريين في تركيا العودة من خلال بروتوكولات ترحيل موسعة.
وقد قدّم وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا خطة من أربع مراحل للعودة الطوعية للسوريين، تشمل إنشاء مكاتب للهجرة في سفارة أنقرة بدمشق وقنصليتها في حلب. وستساعد هذه المكاتب في تنسيق العودة، بما في ذلك نقل الممتلكات الشخصية والمركبات.
مشاريع إعادة الإعمار تعكس انخراطاً أعمق
تخطط تركيا أيضاً لإعادة بناء المناطق المتضررة من الحرب في منطقة جبل التركمان بسوريا، عبر تكليف وكالة الإسكان الحكومية “توكي” بقيادة المشروع. ويعتمد النموذج على جهود إعادة الإعمار بعد الزلزال داخل تركيا، وسيركز على مناطق دمرتها الهجمات السابقة التي شاركت فيها قوات روسية وإيرانية مدعومة.
وقد أعرب زعماء تركمان محليون وممثلون قبليون عن أملهم في أن يُسهم المشروع في إعادة توطين المجتمعات المهجرة وإحياء المناطق التاريخية. ويقول المسؤولون الأتراك إن هذه الجهود، التي جاءت بتوجيه مباشر من الرئيس رجب طيب أردوغان، تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة الحدودية وتهيئة الظروف للعودة المستدامة.
مخاطر استراتيجية تلوح في الأفق وسط تعقيدات إقليمية
رغم تجدد التعاون، أثارت تقارير حول احتمال نقل تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 إلى سوريا قلقاً في واشنطن. وقد حذّر مشرعون أمريكيون من أن مثل هذه الخطوة قد تُزعزع استقرار المنطقة، وتُعقّد وضع الدفاع الإسرائيلي، وتُقوض مصداقية العقوبات. وبينما تمضي الجهود الدبلوماسية والإعمار قدماً، لا تزال الحسابات الأمنية الإقليمية تلعب دوراً محورياً في رسم مستقبل العلاقات التركية السورية.