
قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه وإنهاء تمرده المسلح المستمر منذ أربعة عقود ضد تركيا يمثل تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الأمن الإقليمي، وأثار تساؤلات حول مستقبل الفصائل التابعة له في سوريا، وخاصة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، ووحدات حماية المرأة (YPJ).
ذكرت وكالة فرات للأنباء، المقربة من حزب العمال الكردستاني، يوم الإثنين أن قيادة الحزب أعلنت عن إنهاء هيكله التنظيمي وحملته المسلحة، وذلك بعد مؤتمر حزبي عُقد في شمال العراق. وجاءت هذه الخطوة استجابة لنداء علني من مؤسس الحزب المعتقل، عبد الله أوجلان. ورحب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقرار واصفًا إياه بأنه “خطوة في غاية الأهمية”، لكنه أشار إلى أن حكومته “ستراقب عن كثب” تنفيذ هذا القرار.
شمال شرق سوريا على مفترق طرق
في سوريا، حيث تسيطر الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني على مناطق شاسعة من شمال شرق البلاد، فإن لهذا القرار تداعيات فورية. وأشاد قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بهذه الخطوة واصفًا إياها بأنها “مرحلة جديدة من السياسة والسلام”. وأضاف في بيان نُشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “نحن واثقون من أن هذه الخطوة ستمهد الطريق لتقدم مهم في المنطقة”.
وكان عبدي قد أعرب في وقت سابق عن استعداده لنقل المقاتلين، الذين ينتمي عدد كبير منهم إلى جنسيات غير سورية، من المنطقة إذا ما هدأت المواجهات مع تركيا. وقد وقّع في مارس الماضي اتفاقًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع بهدف دمج قوات “قسد” في الإطار العسكري الوطني السوري. ومع ذلك، فإن تنفيذ الاتفاق يسير ببطء بسبب مطالب “قسد” بالحكم الذاتي واللامركزية، وهو ما ترفضه دمشق.
دمشق تسعى للدمج وتحذر من المشاريع الانفصالية
قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة بتاريخ 12 أبريل، إن الحكومة السورية تتوقع “نية صادقة” من قوات سوريا الديمقراطية للسماح بعودة مؤسسات الدولة إلى العمل في الشمال الشرقي. وأضاف: “نحن ننتظر من الطرف الآخر أن يقابلنا بصدق ويسمح بعودة المواطنين إلى مناطقهم.”
كما أصدرت الرئاسة السورية بيانًا كررت فيه هذه المخاوف، مؤكدة أن أي عملية إعادة هيكلة يجب أن تتجنب محاولات إقامة كيانات سياسية منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية. وحذر البيان من أن احتكار الموارد الوطنية أو منع الوصول إلى الخدمات العامة سيؤدي إلى “إضعاف وحدة البلاد وسيادتها.”
تداعيات إقليمية وتحديات مستقبلية
يتوقع محللون أن يؤدي حل حزب العمال الكردستاني إلى إعادة تقييم للقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا، والتي تربط العديد منها علاقات تنظيمية وأيديولوجية مع الحزب. وقال شلال كدو من حزب المركز الكردي في سوريا لصحيفة “العربي الجديد” إن هذا التطور “يزيل الكثير من الذرائع” التي يستخدمها معارضو الانخراط السياسي الكردي، وقد يسرّع وتيرة المصالحة مع دمشق.
من جهته، أشار الباحث السياسي بسام سليمان إلى تنامي شعور الإلحاح لدى أكراد سوريا للتوصل إلى اتفاق سياسي، مع تواتر مؤشرات على انسحاب أمريكي تدريجي. وقال: “يدرك الأكراد أن الوجود الأمريكي ليس دائمًا”، محذرًا من أن التوترات القديمة داخل “قسد” – بين العناصر السورية والأجنبية – قد تصل إلى ذروتها. والتحدي الآن، كما أضاف، هو كيفية انتقال فصائل مثل “قسد” و”PYD” من جذورها العسكرية إلى دور سياسي ضمن الدولة السورية.