
في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، جددت الأمم المتحدة دعمها للسوريين الذين عانوا من انتهاكات ممنهجة في ظل نظام الأسد المخلوع. وأكدت نجاة رشدي، نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، على ضرورة تحقيق العدالة، مشيرةً إلى أن “التعذيب ممنهج وواسع الانتشار، ويمثل جريمة ضد الإنسانية في سوريا”. وفي منشور على موقع X، أعلنت رشدي: “لا شفاء دون عدالة، ولا سلام دون كشف الحقيقة، ولا مستقبل دون محاسبة”.
تعكس تعليقاتها عزمًا دوليًا متزايدًا على معالجة إرثٍ من الوحشية ميّز نظام الأسد لأكثر من عقد. ففي عهد الأسد، أصبح التعذيب أسلوبًا مؤسسيًا للسيطرة، تُمارسه الأجهزة الأمنية في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد دون عقاب.
الأرقام وراء الرعب
أظهر تقريرٌ صادرٌ عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 26 يونيو/ حزيران أن ما لا يقل عن 45,342 شخصًا لقوا حتفهم تحت التعذيب منذ مارس/آذار 2011، بينهم 225 طفلًا و116 امرأة. ووقعت أكثر من 99% من الوفيات في مراكز احتجاز خاضعة لسيطرة نظام الأسد. وسُجِّلت معظم الوفيات بين عامي 2011 و2014، عندما بلغت حملة الاعتقالات والإخفاء القسري التي شنها النظام ذروتها.
وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استخدام ما لا يقل عن 72 أسلوب تعذيب، تراوحت بين الصعق الكهربائي والضرب، وصولًا إلى العنف الجنسي والتجويع. وكان من بين الضحايا أطفال وكبار سن وأشخاص من ذوي الإعاقة. ولم تقتصر هذه الممارسة على الانتشار الواسع فحسب، بل استهدفت في كثير من الأحيان أفرادًا بناءً على انتمائهم المناطقي، وخاصةً من المناطق المحررة مثل درعا وحمص وريف دمشق.
العدالة الدولية على الطاولة
تكتسب الجهود القانونية لمحاسبة مسؤولي عهد الأسد زخمًا متزايدًا. رفعت هولندا وكندا دعوى قضائية ضد النظام السوري السابق أمام محكمة العدل الدولية، متهمتين النظام بارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقية مناهضة التعذيب. بعد سقوط الأسد، أعربت الحكومة السورية الجديدة عن دعمها الكامل للقضية، واصفةً إياها بأنها أساسية لعملية العدالة الانتقالية.
وصفت وزارة الخارجية السورية حجم الأدلة – الصور وتقارير الطب الشرعي وشهادات الناجين – بأنه هائل. وتعهدت الوزارة بالتعاون الوثيق مع البلدين والمؤسسات الدولية لمقاضاة الجناة ومنع عودة الإفلات من العقاب.
الالتزام بالإصلاح وعدم تكرار الماضي
وضعت الحكومة السورية العدالة الانتقالية في صميم سياستها، وشكلت لجنةً للعدالة الانتقالية، والتزمت بإصلاحات تشريعية. وبدأ المسؤولون بالفعل بالإفراج عن المعتقلين في السجون المرتبطة بالتعذيب، وتعهدوا بالتعاون مع الدول التي ربما فر إليها الجناة.
يُقرّ الإعلان الدستوري السوري الآن صراحةً بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها اتفاقية مناهضة التعذيب. وصرحت وزارة الخارجية بأن هذه التغييرات تُمثّل “قطيعة راسخة مع الماضي”، وقد أقرّ بها مجلس حقوق الإنسان كخطوات نحو بناء مستقبل تُعلى فيه الكرامة وسيادة القانون.
العدالة كأساس للسلام
بينما تُكابد سوريا تداعيات الحكم الاستبدادي السابق، تتوحد الجهات الفاعلة الدولية والمحلية حول هدف مشترك وهو المساءلة. ستكون العملية طويلة، لكن بالنسبة للضحايا والناجين، فإن السعي لتحقيق العدالة ليس مجرد ضرورة قانونية، بل هو حجر الزاوية في إعادة بناء بلد مزقه الخوف.