
تتخذ الحكومة السورية في مرحلة ما بعد الأسد خطوات واضحة لبناء علاقة أقوى مع الصين، حيث يسعى المسؤولون في دمشق إلى ضمان الدعم الدولي لإعادة الإعمار والإنعاش الاقتصادي. وفي مطلع هذا العام، التقى وزير الخارجية أسعد الشيباني بسفير الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، في نيويورك، مؤكدًا عزم سوريا على تطوير “شراكة استراتيجية طويلة الأمد” مع بكين، وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخارجية.
يوم الأحد، ٢٧ يونيو، التقى السفير الصيني شي هونغ وي والشيباني في دمشق لتعزيز التعاون. ويسلط هذا الاجتماع الضوء على اهتمام الصين بإعادة إعمار سوريا وتجارتها وجهود التكامل الإقليمي الأوسع. وفي مطلع هذا العام، وقّع مسؤولون سوريون اتفاقية استثمار رئيسية مع شركة “فيدي للمقاولات” الصينية. تمنح مذكرة التفاهم شركة “فيدي” حق الوصول إلى أكثر من مليون متر مربع من الأراضي في المناطق الحرة السورية – 850 ألف متر مربع في حمص و300 ألف متر مربع في ريف دمشق – لبناء مجمعات صناعية وخدمية على مدى 20 عامًا. وتقول دمشق إن الاتفاقية تهدف إلى جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز التنمية الاقتصادية.
تاريخ من التعاون الحذر
تشكلت علاقة الصين مع سوريا على مدار سنوات من العلاقات الاقتصادية غير الشفافة التي تتم عبر وسطاء، وخاصة خلال فترة العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على نظام الأسد. وحتى مع محدودية التجارة الرسمية – حيث أبلغت الصين عن صادرات بقيمة 357 مليون دولار إلى سوريا في عام 2023 – غمرت البضائع الصينية الأسواق السورية عبر دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة والعراق.
واستمرت هذه الديناميكية بعد سقوط الأسد. ووفقًا لساري كبور، الرئيس التنفيذي المقيم في دمشق، فقد تكيفت الجهات التجارية الصينية بسرعة مع المرحلة الانتقالية، واستمرت في عملياتها على الرغم من حالة عدم اليقين الدبلوماسي.
المخاوف الأمنية تُشكّل موقف الصين
بينما تسعى دمشق إلى تعاون أعمق، استجابت بكين بحذر حتى الآن. وقد أعرب مسؤولون صينيون، بمن فيهم وزير الخارجية وانغ يي، عن دعمهم لعملية سياسية بقيادة سورية، وشددوا على أهمية الاستقرار والسيادة ومكافحة الإرهاب. ويبقى وجود مقاتلين أجانب في سوريا، وخاصةً متطوعي الأويغور، الذين قاتلوا إلى جانب التحالف الذي أسقط نظام الأسد، أحد مصادر قلق بكين.
ويشير محللون، مثل لو شياو يو من جامعة بكين، إلى أن مشاركة الصين قد تعتمد على تعامل الحكومة السورية مع هذه القضية. وقد رسمت بكين خطوطًا مماثلة في مناطق صراع أخرى، حيث ربطت التعاون الاقتصادي بجهود تحييد الجماعات التي تعتبرها تهديدًا لمصالحها.
جهود إعادة الإعمار تقود السياسة
على الرغم من هذه العقبات، تبدو الحكومة السورية عازمة على الاستفادة من البصمة الاقتصادية التاريخية للصين. ويمكن أن تُشكّل شبكات التجارة غير الرسمية العميقة التي بُنيت خلال سنوات العقوبات أساسًا لتوسيع الاستثمار، لا سيما في إعادة الإعمار والبنية التحتية والتصنيع.
قد يعتمد تجاوز بكين للدبلوماسية الحذرة واحتضان سوريا كشريك استراتيجي على كيفية تعامل دمشق مع المشهد الأمني وموازنة مطالب الأطراف الدولية المتنافسة. في الوقت الحالي، تستمر العلاقات الاقتصادية في النمو، سواءً بموافقة رسمية أم لا.