
ازدادت التوترات في محافظة السويداء جنوب سوريا بعد أن أصدر الزعيم الروحي للطائفة الدرزية المدعوم إسرائيلياً، حكمت الهجري، بياناً جديداً أشار فيه إلى المنطقة باسمها التوراتي العبري “جبل باشان”، في خطوة اعتبرها كثيرون محاولة لاستمالة الدعم الإسرائيلي لأجندته الانفصالية.
في رسالته التي نُشرت يوم السبت 11 تشرين الأول، وجّه الهجري نداءً إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وعدد من المنظمات الحقوقية الدولية، زاعماً أن ما سماه “جبل الباشان” يعاني منذ أشهر من “حصار شامل وقاسٍ” يهدد حياة المدنيين. ويشير مصطلح “باشان”، المأخوذ من النصوص الدينية العبرية، إلى أراضٍ كنعانية قديمة تشمل جنوب سوريا وشمال الأردن حالياً.
وباستدعائه هذا الاسم، بدا أن الهجري يردد الرواية الإسرائيلية القديمة حول الروابط الثقافية والتاريخية مع المنطقة، وهو الاسم نفسه الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي في عملياته داخل سوريا تحت مسمى “سهم الباشان”، والتي أدت – وفقاً لمسؤولين سوريين – إلى تدمير جزء كبير من البنية العسكرية السورية قبل الحرب.
من “نداء إنساني” إلى مناورة سياسية
تحدث الهجري في بيانه عما وصفه بـ”كارثة إنسانية”، مدعياً أن سكان السويداء يواجهون نقصاً في الغذاء والوقود والدواء، إلى جانب انهيار المؤسسات العامة. وطالب بتدخل دولي، وانسحاب ما سماها “القوات المسلحة المحتلة”، ومنح المنطقة “حق تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة”.
لكن السلطات السورية ومحللين محليين يؤكدون أن الأزمة التي يندد بها الهجري هي من صنعه.
وقال المحافظ مصطفى البكور في لقاء خاص مع الصحافة إن “تدهور الخدمات لا يعود إلى إهمال حكومي، بل إلى مواقف داخلية وغياب قنوات التواصل الرسمية مع دمشق”. واتهم الفصائل المسلحة التابعة للهجري بمنع قوافل المساعدات، وسرقة أموال من مصرف السويداء، وتهديد السكان الذين يحاولون التواصل مع الحكومة.
وبحسب المحافظ، استولت لجنة غير شرعية تعمل تحت سلطة الهجري على أكثر من 20 مليار ليرة سورية ومليون دولار أمريكي من الحسابات الحكومية، ما أدى إلى تعطيل صرف الرواتب ووقف الإنفاق العام. وأضاف البكور: “الدولة مستعدة لتقديم الموارد والخدمات، لكن هناك أطرافاً تمنع ذلك وتصر على العمل خارج الأطر القانونية”.
خروقات للهدنة وحسابات إقليمية
رغم إعلان وقف إطلاق النار في 15 تموز تحت إشراف الأمم المتحدة، تواصلت الاشتباكات قرب معبر ولغا غرب السويداء، وهو ممر إنساني يُستخدم لإيصال المساعدات وتبادل المحتجزين. وقال مصدر أمني سوري لقناة الإخبارية إن “الفصائل المتمردة انتهكت الهدنة واستهدفت مواقع أمنية”، ما دفع قوات الأمن الداخلي للرد.
وتؤكد الحكومة السورية أن الدعم الإسرائيلي لفصيل الهجري شجع الجماعات المسلحة في السويداء وأفشل جهود المصالحة التي أطلقتها دمشق في أيلول بدعم من الأردن والولايات المتحدة. وترى دمشق أن ما يجري جزء من استراتيجية إسرائيلية لزعزعة استقرار الجنوب السوري تحت غطاء “حماية الدروز”.
وبينما يصور الهجري حركته على أنها دعوة سلمية للحكم الذاتي، يتهمه مسؤولون بأنه يصطنع الأزمات التي يندد بها — عبر قطع الطرقات، وتدمير البنية التحتية، واعتراض شحنات المساعدات — ثم يلقي باللوم على الدولة في العزلة الناتجة عن ذلك.
وكما كتب المحلل السياسي حسين عبد العزيز، فإن وضع السويداء يعكس الانقسام الأعمق في سوريا:
“هناك خطاب يدعو للوحدة الوطنية، وآخر يطالب بالانفصال والحماية الأجنبية، وبين الخطابين أصبح الحوار شبه مستحيل”.
