
شكلت الزيارة الرسمية الأولى للرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو منذ توليه منصبه نقطة تحول في السياسة الخارجية لدمشق، إذ تسعى القيادة السورية الجديدة إلى إعادة بناء العلاقات مع روسيا مع التأكيد في الوقت ذاته على ضرورة المحاسبة عن الماضي.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت، تناولت المحادثات بين الشرع والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 أكتوبر ثلاثة ملفات رئيسية:
1. تسليم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
2. مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
3. ودور موسكو المحتمل كوسيط بين سوريا وإسرائيل.
وفي تصريحاته في الكرملين، قال الشرع:
“نحن نحترم جميع الاتفاقيات السابقة مع روسيا ونعترف بالروابط التاريخية بين بلدينا”، مضيفاً أنه من الضروري “إعادة تعريف هذه العلاقات بما يضمن استقلال القرار السوري”.
كما دعا إلى إنهاء عزلة سوريا الدولية وجدد طلبه من موسكو تسليم الأسد الذي فرّ إلى روسيا قبل تسعة أشهر.
وأكد نائب مدير إدارة روسيا وشرق أوروبا، أشهد صليبي لقناة الإخبارية أن الشرع “طالب بشكل واضح وعدة مرات” تسليم الأسد، مشيراً إلى أن الجانب الروسي “أبدى تفهماً لتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا”.
ومع ذلك، نقل الصحفي إبراهيم حميدي أن بوتين قال لمساعديه في جلسات مغلقة إنه لن يسلم الأسد.
توازن القوة والشراكة
يبقى مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، ولا سيما في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية والمنشأة البحرية في طرطوس، مسألة حساسة.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوكالة سبوتنيك إن “كل شيء تم بحثه”، بما في ذلك الإطار القانوني والمالي الذي ينظم تلك القواعد.
واقترح المسؤولون السوريون أن تعود السيطرة على هذه المنشآت تدريجياً إلى القوات السورية مقابل استمرار الاستثمار الروسي في مشاريع إعادة الإعمار والتعاون الدفاعي.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن موسكو “مستعدة للمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية والحفاظ على عمليات قطاعي النفط والطاقة في سوريا.”
ورأى محللون في صحيفتي كوميرسانت وفيدوموستي الروسيتين أن اللقاء يمثل اعترافاً رسمياً من موسكو بالقيادة السورية الجديدة، لكنهم أشاروا إلى أن سقوط الأسد شكّل ضربة لنفوذ روسيا الإقليمي.
وكتبت فيدوموستي: “لا تزال سوريا ضمن الفلك الروسي، لكن ميزان القوة قد تغيّر”.
إعادة بناء العلاقات وفق أسس جديدة
قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن اللقاء أكد أن “العلاقات بين البلدين كانت دائماً ودية وتسترشد بمصالح الشعب السوري”.
وأوضح أشهد الصليبي أن وفد الرئيس الشرع، الذي ضم وزراء الدفاع والخارجية ورئيس جهاز الاستخبارات، أظهر نية دمشق في إعادة بلورة سياستها الخارجية على أساس المصلحة الوطنية.
واختُتمت الزيارة باتفاقات لتشكيل لجنة حكومية مشتركة للتجارة والمساعدات الإنسانية، والتفاوض حول صفقات لتوريد الأسلحة والقمح.
وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لوكالة ريا نوفوستي إن سوريا مستعدة لتقديم “فرص هائلة” لروسيا في مشاريع إعادة الإعمار.
وفي حين تسعى موسكو إلى الحفاظ على نفوذها في البحر المتوسط، تصرّ القيادة السورية على أن يكون أي تعاون متوافقاً مع سيادتها ونظامها القانوني.
وختم صليبي قائلاً:
“تحقيق العدالة الانتقالية وإعادة بناء علاقاتنا على أساس المساواة هما أمران أساسيان لاستقرار سوريا واستعادة الثقة مع شركائنا”.