
تتخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة خطواتٍ منسقة لرفع آخر العقوبات الدولية الكبرى المفروضة على سوريا وحكومتها الانتقالية، في إشارة إلى تحولٍ سياسي كبير بعد أكثر من عقدٍ على الحرب المدمّرة التي شهدتها البلاد. وتمثّل هذه الخطوة نقطة تحوّل في عودة سوريا إلى الساحة الدولية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي تولّت حكومته السلطة بعد سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.
ووفقًا لموقع المونيتور (Al-Monitor)، قامت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعميم مسودة قرار في مجلس الأمن الدولي تسعى إلى إزالة اسم الرئيس الشرع ووزير الخارجية أنس خطاب من نظام العقوبات الأممي لمكافحة الإرهاب، والذي أُنشئ في الأصل لاستهداف تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية. كما تتضمن المسودة توسيع الإعفاءات الإنسانية والتجارية، لتسهيل عمليات التجارة وإعادة الإعمار في سوريا، إضافةً إلى بند يخفف بعض عناصر حظر السلاح، مما يسمح لوكالات الأمم المتحدة باستيراد المعدات اللازمة لإزالة الألغام وإصلاح البنى التحتية.
ومن المتوقع أن يناقش مجلس الأمن هذه المسودة المدعومة من واشنطن بشأن العقوبات الأممية المتبقية على سوريا. ونقلت صحيفة إندبندنت عربية عن مصادر دبلوماسية أن المقترح يحظى بدعم من المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا، بينما أعطت الصين موافقة مشروطة بعد أن كانت قد اعترضت في البداية بسبب وجود مقاتلين من أقلية الإيغور في سوريا.
تحولات في السياسة الأمريكية والبريطانية
تمثل مسودة القرار انعطافة كبيرة في السياسة الغربية التي استهدفت عزل دمشق طوال سنوات. وتأتي عقب قرار الولايات المتحدة في يوليو/تموز الماضي بشطب “هيئة تحرير الشام”، من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهي خطوة تبعتها هذا الأسبوع خطوة مماثلة من لندن، إذ أعلنت الحكومة البريطانية رسميًا شطب الهيئة من قائمة الإرهاب وفق قانون الإرهاب البريطاني واستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق.
وفي بيان مشترك لوزارتي الخارجية والداخلية البريطانيتين، جاء أن شطب هيئة تحرير الشام “سيعزز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة” ويدعم أولويات بريطانيا في “مكافحة الإرهاب والهجرة وتدمير الأسلحة الكيميائية”. وأضاف البيان أن المملكة المتحدة “ستواصل الضغط لتحقيق تقدم حقيقي، وستراقب الحكومة السورية للوفاء بالتزاماتها تجاه الاستقرار وحقوق الإنسان”.
زيارة وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد لامي إلى دمشق في يوليو كانت بمثابة الخطوة التمهيدية لإعادة العلاقات، حيث أعلن خلالها عن إعادة فتح السفارة السورية في لندن وتعهّد بتقديم 94.5 مليون جنيه إسترليني (129 مليون دولار) كمساعداتٍ إنسانية وإغاثية. وقال لامي حينها: “هناك أمل متجدد للشعب السوري. إن استعادة العلاقات الدبلوماسية تصبّ في مصلحتنا لدعم الحكومة الجديدة في بناء مستقبل مستقر وآمن”.
وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أكّد أعضاء في المجلس السوري الأمريكي، أن مجلس الشيوخ الأمريكي أقرّ تعديلًا يقضي بإلغاء قانون قيصر بحلول نهاية العام. ووصف العضو محمد غانم التصويت بأنه “نصر دراماتيكي بكل معنى الكلمة”، مشيرًا إلى أن الإجراء يتضمن بندًا غير ملزم يسمح للكونغرس بإعادة النظر في العقوبات إذا فشلت سوريا في تحقيق معايير الشفافية والأمن خلال 12 شهرًا.

مداولات الأمم المتحدة وتداعياتها العالمية
تتواصل في الأمم المتحدة النقاشات حول كيفية تحقيق التوازن بين المساعدات الإنسانية والالتزامات المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وقد حذر محللون في مجموعة الأزمات الدولية (ICG) من أن الإبقاء على العقوبات الأممية ضد شخصيات مثل الشرع وخطاب قد يطيل أمد الأزمة الإنسانية في سوريا، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 70% من السكان ما زالوا بحاجة إلى المساعدة.
ورغم أن الوكالات الإنسانية مستثناة تقنيًا من العقوبات، فإنها ما تزال تتوخى الحذر بسبب التعقيدات القانونية المرتبطة بالتعامل مع حكومة لا تزال مرتبطة – ولو رمزيًا – بكيان مدرج سابقًا على قوائم الإرهاب.
ويقول خبراء الأمم المتحدة إن شطب هيئة تحرير الشام وقادتها السابقين يعكس اعترافًا بفك ارتباطها عن تنظيم القاعدة عام 2016 وحلّها رسميًا مطلع عام 2025. وعلّق باحثو مجموعة الأزمات بأن “سوريا هي أول دولة يقوم فيها فصيل مسلح بتفكيك فرع تابع لتنظيم القاعدة بشكل منهجي”، مؤكدين أن قوات الهيئة قاتلت تنظيم داعش وبقايا القاعدة خلال السنوات الأخيرة.
ورغم تلك النتائج، لا يزال بعض أعضاء مجلس الأمن متحفظين. إذ قال دبلوماسيون لمجموعة الأزمات إن سلوك هيئة تحرير الشام قد تغيّر، لكن الأفعال أهم من الأقوال، مع استمرار القلق من وجود المقاتلين الأجانب ومسائل الحوكمة. بينما يرى آخرون أن تخفيف العقوبات يجب أن يتم تدريجيًا وفق معايير واضحة تشمل التعاون في مكافحة الإرهاب والتقدم في مجال حقوق الإنسان.
نافذة ضيقة للاستقرار
قال الرئيس أحمد الشرع في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” في وقتٍ سابق من هذا الشهر إن رفع العقوبات أمرٌ ضروري لمستقبل سوريا. وأضاف:
“يجب إزالة كل العقبات التي تعيق سلام سوريا وأمنها وانخراطها الدولي. أمامنا فرصة تاريخية، وعلى المجتمع الدولي أن يبذل كل ما بوسعه لتسهيل المهمة المقبلة لسوريا”.
وإذا تم اعتماد القرار الأممي المرتقب، فسيُعد الخطوة الأبرز نحو تطبيع علاقات سوريا مع العالم. فبعد سنواتٍ من العزلة، تقف البلاد على أعتاب إعادة الاندماج الدولي – والمخاطر كما الفرص كبيرة.
وكما قال أحد الدبلوماسيين البارزين في الأمم المتحدة لموقع المونيتور:
“المسألة لا تتعلق فقط بانتعاش سوريا، بل بما إذا كان النظام الدولي قادرًا على التكيّف مع شرق أوسط متغيّر”.