
تعيد سوريا صياغة نهجها في التعاون الصحي الدولي، منتقلةً من متلقٍّ للمساعدات إلى مُقترحٍ للشراكات. وقد شكّل هذا التوجه الجديد محورَ الاجتماعات الأخيرة بين وزير الصحة الدكتور محمد العلي ووفودٍ من ألمانيا والبرلمان الأوروبي.
في خطوةٍ هامةٍ نحو إنعاش القطاع الصحي الوطني، التقى الوزير العلي بممثلين عن الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) لمناقشة التعاون في إعادة بناء وتحديث نظام الرعاية الصحية في سوريا.
خلال الاجتماع، قدّم العلي رؤية الوزارة لتوفير خدمة صحية شاملة وعادلة ومتاحة لجميع السوريين. وحدد أولوياتها الرئيسية، بما في ذلك ترميم المرافق الصحية المتضررة، وتعزيز الرعاية الصحية الأولية، وتوسيع خدمات الصحة النفسية وعلاج السرطان، وتعزيز الأمن الدوائي لضمان استقرار سلسلة توريد الأدوية.
وأقرّ بالضرر الجسيم الذي لحق بالقطاع خلال سنوات الحرب، لكنه أكد أن إعادة الإعمار “ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة نحو إنشاء نظام صحي قائم على الكفاءة والعدالة”.
من المساعدات إلى الاستثمار: تحول في العلاقات
كان الموضوع الرئيسي للمناقشات هو نية سوريا تجاوز الإطار التقليدي للمساعدات. وأكد الوزير علي عزم البلاد على إقامة شراكات استراتيجية مع الجهات الفاعلة الدولية، وخاصة ألمانيا، على أساس “تبادل المصالح والتعاون طويل الأمد”.
وأشار إلى فرص واعدة للاستثمار في المستشفيات وتصنيع الأدوية وتكنولوجيا الرعاية الصحية، داعيًا الشركات الألمانية إلى النظر إلى سوريا ليس فقط كمتلقي للمساعدات ولكن كشريك في التنمية.
رحب وفد الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بالمقترحات وأعرب عن استعداده لاستكشاف أطر التعاون المحتملة. وأكد المندوبون أنهم سيدرسون آليات التمويل الممكنة ويحددون المشاريع الصحية التي يمكن تنفيذها في نطاق التعاون الثنائي.
الحوار مع البرلمان الأوروبي يعزز الالتزام
وفي اجتماع موازٍ، استضاف الوزير مصعب العلي وفدًا من البرلمان الأوروبي برئاسة هنا جلول مورو، نائبة رئيس لجنة العلاقات الدولية. قدم الوزير لمحة عامة صريحة عن الوضع الصحي الحالي، كاشفًا عن تدمير 40% من المراكز الصحية، بينما تعاني المرافق المتبقية من تدهور حاد ونقص في الأدوية والكوادر الطبية المؤهلة.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فقد أشار إلى تقدم ملموس في عملية التعافي، مشيرًا إلى افتتاح 17 مستشفى جديدًا، وإضافة 53 قسمًا إلى المستشفيات القائمة، وإعادة 300 مركز صحي إلى الخدمة في جميع أنحاء البلاد. وتعهد الوفد الأوروبي بالدعوة إلى تقديم الدعم داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك برامج التدريب، والتبادل الأكاديمي للمهنيين الطبيين السوريين، والاستثمار في البنية التحتية الصحية.
بناء نظام صحي مرن
تعكس هذه الاجتماعات رفيعة المستوى جهدًا استباقيًا من جانب السلطات السورية لإعادة بناء أحد أهم القطاعات في البلاد. ومن خلال الانتقال من الاعتماد على المانحين إلى الشراكة المتبادلة، تهدف سوريا إلى إنشاء نظام رعاية صحية مكتفٍ ذاتيًا يضمن الاستقرار على المدى الطويل وإمكانية الوصول لمواطنيها.
إن استعداد الشركاء الأوروبيين للمشاركة يشير إلى فرصة للتعاون المتجدد – وهي خطوة من شأنها أن توفر الخبرة والاستثمار لدعم رؤية سوريا لمستقبل أكثر صحة.

 
			 
                                 
		 
		 
		