
شهدت العلاقات بين دمشق وواشنطن تطوراً مفصلياً بعد إعلان الولايات المتحدة رفع القيود المفروضة على البعثة الدبلوماسية السورية وإيقاف العمل بجزء من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر. وتأتي هذه الخطوة عقب لقاء وُصف بـ”التاريخي” جمع الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض يوم العاشر من نوفمبر 2024، بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره السوري أسعد الشيباني.
استئناف البعثة الدبلوماسية السورية في واشنطن
أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في تصريح رسمي يوم الثلاثاء، أن البعثة الدبلوماسية السورية ستستأنف أعمالها في الولايات المتحدة بعد أن تلقت دمشق قراراً موقعاً من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يقضي برفع جميع الإجراءات القانونية التي كانت تحدّ من نشاط السفارة السورية.
وقال الشيباني، في منشور عبر منصة “X”:
“اليوم تستعيد سوريا قدرتها على ممارسة دورها الدبلوماسي بحرية تامة على الأراضي الأمريكية”.
وأضاف أن القرار يشكل “فصلاً جديداً في العلاقات الثنائية”، وسيسمح لبلاده بمتابعة أجندة إعادة الإعمار بدعم دولي متزايد.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية السورية أن الرئيس ترامب تعهّد بتقديم “الدعم اللازم” لعملية إعادة الإعمار، مشيداً بما وصفه بـ”الإدارة الناجحة لمرحلة الانتقال السياسي” التي تمر بها سوريا.
محادثات ثلاثية من أجل الاستقرار وإعادة الإعمار
وبتوجيه مباشر من الرئيس ترامب، عقد اجتماع ثلاثي ضم وزراء خارجية كل من سوريا وتركيا والولايات المتحدة، لمناقشة سبل تنفيذ التفاهمات التي جرى التوصل إليها بين واشنطن ودمشق.
وتضمّن جدول أعمال اللقاء بحث آليات دمج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الجيش الوطني السوري، في خطوة وُصفت بأنها جزء من عملية توحيد المؤسسات وتعزيز الإصلاحات في قطاع الأمن والدفاع.
وقال الوزير التركي هاكان فيدان، في تصريحات نقلتها وكالة “الأناضول”، إنه شدّد أمام الجانبين السوري والأمريكي على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واستقرارها، مؤكداً أن “وحدة سوريا واستقرارها يشكلان ضمانة لأمن المنطقة بأسرها”. وأوضح أن مشاركته جاءت بناءً على دعوة من الجانب الأمريكي.
كما تناولت المباحثات خطوات أولية نحو اتفاق أمني محتمل بين سوريا وإسرائيل، قال مسؤولون إنه قد يسهم في ترسيخ الاستقرار الإقليمي. وفي هذا السياق، أعادت وزارة الخارجية الأمريكية التأكيد على دعمها للمسار التفاوضي، مشيرة إلى أن هذا التنسيق يأتي في إطار رؤية الرئيس ترامب لتحقيق “الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط”.
تعليق العقوبات لمدة 180 يوماً
وفي تطور موازٍ، أعلن الوزير ماركو روبيو تعليق العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قانون قيصر” لمدة 180 يوماً، موضحاً أن القرار يأتي ضمن خطة الرئيس ترامب الأوسع لدعم جهود دمشق في إعادة بناء اقتصادها بعد أكثر من عقد من الصراع.
وأصدرت وزارتا الخزانة والتجارة الأمريكيتان بياناً مشتركاً أكدتا فيه أن تعليق العقوبات سيسمح بانخراط اقتصادي محدود في سوريا، مع الإبقاء على القيود المفروضة على المعاملات المرتبطة بروسيا وإيران.
وجاء في البيان:
“تظل الولايات المتحدة ملتزمة بسوريا موحدة ومستقرة وسلمية. إن رفع العقوبات المؤقت سيسمح بإعادة البناء الاقتصادي وتحقيق الازدهار لجميع المواطنين”.
وشدّد روبيو على أن واشنطن تتوقع من دمشق اتخاذ “خطوات ملموسة لطي صفحة الماضي والعمل من أجل السلام”، مؤكداً أن الولايات المتحدة تحتفظ بحق إعادة فرض العقوبات في حال إخلال الحكومة السورية بالتزاماتها أو ظهور مخاوف تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.
بداية حذرة لعلاقات جديدة
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها بداية مرحلة جديدة من الانخراط الدبلوماسي بين دمشق وواشنطن، بعد سنوات من القطيعة والعقوبات. ويرى مراقبون أن مدى استدامة هذا الانفراج سيعتمد على الخطوات المقبلة التي ستتخذها الحكومة السورية في مجالي إعادة الإعمار والمصالحة الوطنية، فضلاً عن التزامها بالتفاهمات التي أُقرت في الاجتماعات الأخيرة.
ومع تعليق العقوبات وفتح الأبواب أمام الحوار، يبدو أن العلاقات السورية – الأمريكية تدخل فعلاً “فصلاً جديداً” يترقبه المجتمع الدولي بحذر وأمل في آن واحد.
