
عُقد منتدى بعنوان “عام على التحرير.. أفق وتحديات”، نظمته وزارة الإعلام في فندق الشام بدمشق، وجمع باحثين ومتخصصين لمناقشة القضايا الاقتصادية الأساسية التي ترسم ملامح مرحلة التعافي السوري بعد التحرير. ويأتي هذا الحدث في لحظة انتقالية تتشابك فيها التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فيما تسعى سوريا إلى تحديد مسار التعافي بعد سنوات من الصراع والعقوبات والانهيار المؤسسي.
وتناول المشاركون الإرث الثقيل الذي خلّفه نظام الأسد، بما في ذلك الدمار الواسع في البنية التحتية، وتآكل العملة الوطنية، وفقدان رأس المال البشري نتيجة الهجرة، وتعطّل شبكات الإنتاج والتجارة. وشكّل المنتدى منصة لتبادل الرؤى حول فرص التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد الأسد، والعوائق التي ما تزال تعترضه.
تحولات تدريجية في ظل غياب رؤية شاملة
خلال جلسة حوار موسّعة، وصف الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية كرم شعار، الباحث غير المقيم في معهد «نيو لاينز»، الاقتصاد السوري بأنه يمر بتحولات تدريجية بعد سنوات من العزلة.
وأشار إلى أنه لا يزال من المبكر إجراء تقييم نهائي للنتائج، إلا أن بعض المؤشرات الإيجابية برزت، من بينها توحيد أسعار الصرف، والانخفاض النسبي في الأسعار، وانفتاح المؤسسات الاقتصادية الحكومية على الفاعلين في السوق، وعودة الاهتمام بالاستثمار بعد عقود من القيود الصارمة.
واعتبر شعار أن التحدي الأساسي لا يكمن في الإصلاحات الجزئية، بل في غياب رؤية اقتصادية شاملة وهوية واضحة للاقتصاد الوطني. ودعا إلى توحيد التوجهات الحكومية وتحقيق انسجام السياسات، لا سيما في ملفات الضرائب وإعادة الإعمار والشراكات بين القطاعين العام والخاص.
وشدد على ضرورة تحقيق توازن بين الإصلاحات الموجهة نحو السوق والدور الاجتماعي للدولة، مع التركيز على حماية الفئات الهشة، وتحقيق عدالة توزيع الدخل، وتعزيز كفاءة المؤسسات على أساس الكفاءة لا الولاءات السياسية أو الشخصية.
رفع العقوبات بوابة لإعادة الاندماج
ركّز الدكتور جاسم العكلة، أستاذ المالية المشارك في جامعة أنجليا روسكين البريطانية، على التداعيات الإيجابية الاقتصادية لرفع العقوبات الدولية، واصفًا هذه الخطوة بأنها عامل حاسم في إعادة ربط سوريا بالأسواق الإقليمية والعالمية.
وأوضح أن عودة سوريا إلى نظام سويفت المصرفي العالمي من شأنها تسهيل التحويلات المالية والتجارة، وتحسين بيئة عمل الشركات، وزيادة جاذبية البلاد للمستثمرين الأجانب، مع انعكاسات إيجابية على مجمل الاقتصاد.
وأكد العكلة أن المرحلة المقبلة تتطلب إصلاحات عميقة في السياسات النقدية والمالية والمصرفية، إلى جانب تحديث الأطر التشريعية، مع مراعاة التحولات في الاقتصاد العالمي. ودعا إلى تطوير نموذج اقتصادي يناسب خصوصية الواقع السوري، مع إعطاء الأولوية لإعادة تأهيل البنية التحتية، وإدارة السيولة، وتطوير قطاع التأمين بوصفه ركيزة للاستقرار المالي.
الزراعة أساس للتنمية المتوازنة
من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي والمستشار التنفيذي لشؤون البنية التحتية وإعادة الإعمار في وزارة الاقتصاد مناف قومان أن الإصلاح الاقتصادي يجب أن يبدأ بإعادة الاعتبار لدور القطاع الزراعي. ووصف الزراعة بأنها ركيزة تاريخية للاقتصاد الوطني، وأساسية لخلق فرص العمل، وتحقيق الأمن الغذائي، وخفض تكاليف المعيشة.
وسلّط قومان الضوء على أهمية دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والاستثمار في رأس المال البشري، مشيرًا إلى أن سوريا تمتلك خبرات علمية ومهنية كبيرة جرى تهميشها خلال سنوات الصراع. كما دعا إلى حماية الصناعة المحلية وتوجيه الاستثمارات نحو المناطق الريفية لتحقيق تنمية متوازنة، ومنع التركز المفرط للنشاط الاقتصادي في المدن الكبرى.
واختُتم المنتدى بالتأكيد على أن تعافي سوريا يتطلب تخطيطًا اقتصاديًا متكاملًا، وتحديد أولويات قطاعية واضحة، وانسجامًا في السياسات، من أجل تحويل مؤشرات الاستقرار الأولية إلى نمو مستدام وشامل.
