في اللقطات المشوشة التي نُشرت لأول مرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقفت ميرا جلال ثابتة بجانب زوجها أحمد، مرتديةً زيًا إسلاميًا محتشمًا، وهي تنظر إلى الكاميرا. قالت بحزم: “لم يكن هناك اختطاف. كنتُ تحت ضغط في منزل عائلتي… ولأن بيني وبين أحمد حبًا، لجأتُ إليه”. كان المقصود من كلماتها التوضيح، لكن بحلول ذلك الوقت كانت الشائعات قد انتشرت.
ما بدأ كفتاة شابة تُغادر منزلها للزواج من الرجل الذي تُحبه، سرعان ما تحول إلى قصة اختطاف وأسر. اتهمت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي أحمد بأخذ ميرا قسرًا من عائلتها التي تنتمي للطائفة العلوية في تلكلخ إلى إدلب. واستُشهد بفظائع داعش – الخطف والاستعباد – دون دليل. انتشرت القصة على نطاق واسع، وتناقلها دعاة مرتبطون بالنظام، وقُدّمت كدليل على الفوضى والتطرف في المناطق ذات الأغلبية السنية. إلا أنها وكغالب الأحيان كانت كاذبة.
بين الحب والكذب
قصة ميرا وأحمد، التي روياها بكلماتهما الخاصة خلال مقابلات عامة، واضحة. قال أحمد: “ما حدث كان زواجًا شرعيًا، دينيًا وقانونيًا”. وأكدت ميرا ذلك، واصفةً الضغط النفسي الذي واجهته في المنزل والدعم الذي وجدته في أحمد. “قلت له: إما أن تقف بجانبي، أو سأرحل بمفردي”. وكانت قد غادرت منزلها بالفعل عندما اتصلت به.
أكدت منصة “كشاف” العربية لتدقيق الحقائق روايتهما، وعزت الشائعات إلى تكهنات على مواقع التواصل الاجتماعي وتوترات عائلية، وليس إلى أي مخالفة جنائية. وأشارت اللاجئة والكاتبة السورية، إيناس عوض، من حمص، إلى أن هذه ليست حالة فريدة. ميرا، كغيرها من النساء، هربت من بيئة مقيدة بحثًا عن الحب – وعوقبت على ذلك، ليس بالقانون، بل بمحكمة الرأي العام وثقل المحرمات الطائفية.
الجدران الخفية للطائفية
لطالما كانت الزيجات بين الطوائف والأديان المختلفة في سوريا محفوفة بالمخاطر الاجتماعية والسياسية، وخاصةً بالنسبة للنساء. فبينما تُجنّب الزيجات المختلطة البارزة بين النخبة السورية، مثل زواج رئيس النظام السابق بشار الأسد (علوي) وأسماء الأخرس (سنية)، التدقيق العام، يجعل من السوريين العاديين يدفعون ثمنًا باهظًا لتجاوزهم الحدود الطائفية.
بالنسبة لميرا، فإن كونها علوية وزواجها من رجل سني وضَعَها في قلب توتر قديم. ووفقًا للكاتب العلوي أحمد خليل، في مقال له على موقع “أوبن ديموكراسي”، فإنه على الرغم من أن التعاليم الدينية لا تُحرّم مثل هذه الزيجات، إلا أن المقاومة الثقافية، كما كتب، قوية داخل العديد من المجتمعات الطائفية، وخاصةً بين العلويين والدروز. وكما يقول المثل الذي لا يزال يُردد في القرى السورية: “من لم يتزوج من ملّته مات بعلّته”.

قصصٌ مثل قصة كاثرين مزهر، الفتاة الدرزية التي هربت مع رجل علوي عام ٢٠١٧، وادّعت عائلتها زورًا أنها اختطفت وقُتلت، تتبع نفس المسار المأساوي. ظهرت كاثرين لاحقًا على قيد الحياة في مقاطع فيديو، وهي تروي قضيتها ببساطة: رفضت عائلتها زواجها، فهربت.
المخاطر كبيرة، وخاصةً بالنسبة للنساء. كانت “جرائم الشرف” تُحاكم بتساهل في ظل نظام الأسد البائد – حتى وقت قريب، بعقوبات قصوى لا تتجاوز عامين. وقد عزز النظام القانوني، المُصمم لاستغلال الانقسامات الطائفية، هذه الحواجز. وحتى عندما تحدث مثل هذه الزيجات، غالبًا ما تُعقد سرًا أو تُعقد في الخارج، في محافظة أو قرية أخرى خارج منطقة الزوجين، أو في أماكن مثل لبنان أو قبرص.
كيف تُغذّي المعلومات المضللة الطائفية
ما حدث لميرا لم يكن من فراغ. فسرعان ما استُخدمت قصتها كسلاح في حملة تضليل إعلامي أوسع نطاقًا، واحدة من حملات عديدة في الصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمان، حيث تُستخدم الشائعات كأدوات سياسية لتعميق الانقسامات الطائفية وتشويه سمعة الحكومة الجديدة.
في الماضي، روّجت وسائل إعلام موالية للأسد، وحتى قنوات أكثر شعبية مثل الحدث والمونيتور، ادعاءاتٍ مثيرةً وغير مؤكدة عن الثوار: تقارير كاذبة عن أسواق عبيد سنية في إدلب، ومجازر ملفقة بحق المسيحيين، ومزاعم لا أساس لها من الصحة عن عمليات تطهير للعلويين. حتى إسرائيل، بحسب التقارير، لعبت دورًا في تأجيج التوتر الطائفي، لا سيما بين الدروز والسُنة، من خلال نشر الخوف عبر دعاية مُدبّرة بعناية.
يتبع انتشار قصة ميرا هذا النمط. فسرعان ما تضخمت اللغة التحريضية، مثل مزاعم “الاستعباد” و”الاختطاف على طريقة داعش”، على الإنترنت. لكن هذه الروايات غالبًا ما تنهار تحت وطأة التدقيق، كما حدث مع هذه القصة. كانت الحقائق أقل دراماتيكية، لكنها أكثر أهمية: مارست ميرا دورها. تحدت الأعراف الطائفية. ودفعت ثمن ذلك ليس بالسجن أو العنف، بل بالتشهير.
المشهد الاجتماعي المتغير
رغم جمود التقاليد الطائفية في سوريا، تكشف قصصٌ مثل قصة ميرا وأحمد أيضًا عن بوادر تغيير. فقد مزّق النزوح والحرب البنية الانعزالية للعديد من المجتمعات. واضطر ملايين السوريين إلى الفرار من ديارهم، لينتهي بهم المطاف غالبًا في مناطق يعيشون فيها جنبًا إلى جنب مع أبناء طوائف أخرى.
في المدن التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا، مثل حمص واللاذقية، أدى التدفق الجديد للسنة النازحين سابقًا إلى زيادة تدريجية في حالات الزواج بين الطوائف المختلفة. إلا أن هذه الزيجات غالبًا ما تبقى غير رسمية وغير مسجلة، ومخفية اجتماعيًا. أما في معاقل الثورة السابقة، مثل إدلب، فإن التركيبة السكانية تكاد تكون سنية بالكامل، بسبب الحرب، وقد اختفت حالات الزواج المختلط تقريبًا. يوضح القاضي إبراهيم حسين أن “كل طائفة طائفية… نأت بنفسها عن الطوائف الأخرى بسبب الصراع الناجم عن الحرب”.
مع ذلك، لا تزال هذه الحريات هشة. فالزواج المدني الذي يُعقد خارج سوريا أو في المناطق الثقافية المنعزلة لا يعترف به كثير من السوريين، وقد يواجه أطفال هذه الزيجات تعقيدات قانونية واجتماعية في حال عودتهم إلى مناطقهم. وتواصل الدولة سعيها لإصلاح مجتمع مزقته قرابة 14 عامًا من الحرب وأكثر من نصف قرن من الطائفية التي كانت ترعاها الدولة في عهد الأسدين.
“كلنا هنا – وسوريا بخير”

قضية ميرا وأحمد ليست مجرد قصة حب شخصية؛ إنها انعكاسٌ لخطوط الصدع الاجتماعية في سوريا – مكشوفة، متوترة، ومُستغلة. في بلدٍ ادّعى فيه النظام السابق “العلمانية” بينما كرّس الأحكام الطائفية في القانون، وفي مشهدٍ انتقالي هشّ تنتشر فيه الشائعات أسرع من الحقيقة، وحيث قد يعني الزواج من “الشخص الخطأ” الموت أو النفي، إلا إن قصتهما مهمة.
في مقابلتها، ناشدت ميرا وزوجها الكرامة، لا الدراما: “هنا ميرا، هنا أحمد، ونحن جميعًا هنا – وسوريا بخير”. لكن سوريا ليست بخير – لا للشباب المحاصرين بالعادات القديمة، ولا للنساء اللواتي تُجرّم خياراتهن، ولا للحقيقة التي غالبًا ما تُدفن تحت وطأة الدعاية.
ومع ذلك، فإن قصصًا مثل قصة ميرا، عندما تُروى بصدق، يمكن أن تخترق الصخب. تُذكّرنا بأن وراء كل شائعة إنسانًا، ووراء كل إهانة قصة – وأن الحب أحيانًا، حتى في سوريا، قد يكون ثوريًا.