كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة من صباح يوم 22 مايو/أيار، عندما وصل أربعة متطوعين من الدفاع المدني السوري، المعروف بالخوذ البيضاء، إلى قرية كراح، شمال شرق حماة، لتفقد ما اعتقدوا أنه ذخيرة غير منفجرة بالقرب من خط سكة حديد. لم يكن هذا النوع من النداء غير عادي – فإزالة الذخائر غير المنفجرة جزء أساسي من عملهم.
وبعد ارتداء معدات الوقاية، خرج ثلاثة من الرجال من سيارتهم للتحقق. وبعد لحظات، صرخ أحدهم محذرًا – ما رأوه لم يكن مجرد حطام، بل كان عبوة ناسفة موجهة، يُحتمل أنها مُجهزة للتفجير عن بُعد. وبينما كانوا يستديرون للانسحاب، انفجر اللغم، مما أسفر عن ارتقاء كل من مأمون العمر وجلال طكو وشعبان شوشان. ونجا العضو الرابع في الفريق، الذي بقي في السيارة.
وأكدت المجموعة أن فريقها كان منخرطًا في أعمال تطهير روتينية، وقد استجاب لبلاغ عن وجود لغم مشتبه به. يشير تحقيق الخوذ البيضاء إلى أن الجهاز ربما وُضع عمدًا لجذب المستجيبين – وهي محاولة مدروسة لتسليح أزمة الألغام في سوريا كذريعة لهجوم مُستهدف.
إرث الحرب المُتناثر
لا يُعد انفجار كراح حادثًا معزولًا. ففي سوريا ما بعد الحرب، تُدفن بقايا النزاع تحت المزارع والطرق والملاعب والمنازل، في انتظار دورها. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد لقي 3521 مدنيًا حتفهم جراء انفجارات الألغام الأرضية منذ بداية الثورة عام 2011، من بينهم 931 طفلًا و362 امرأة. وسجلت منظمة هيومن رايتس ووتش أكثر من 600 شخص قُتلوا أو جُرحوا منذ ديسمبر 2024 وحده. وحذرت هيومن رايتس ووتش في وقت سابق من هذا العام من أن “التلوث الواسع النطاق بالألغام الأرضية ومخلفات الحرب المتفجرة في جميع أنحاء سوريا يُشكل مخاطر مميتة على المدنيين العائدين إلى ديارهم”.
عائق أمام التعافي
يشل وجود الذخائر غير المنفجرة مستقبل سوريا. تُترك الحقول بورًا لأن المزارعين غير قادرين على المخاطرة بزراعتها. مشاريع إعادة الإعمار مُؤجَّلة أو مُهمَلة. حتى الخدمات الأساسية كالمواصلات والتعليم مُعطَّلة بسبب الخطر المُستمر.
الدعم الدولي لا يكفي
لا تزال جهود إزالة الأنقاض المميتة في سوريا مستمرة، لكنها بطيئة، وتعاني من نقص التمويل، وخطيرة. وقد دمّرت “الخوذ البيضاء” 28,000 قطعة ذخيرة حتى الآن، بما في ذلك أكثر من 23,000 قنبلة عنقودية. وحددت المجموعة 141 حقل ألغام في مناطق سكنية وزراعية. إلا أن حجم التلوث يفوق الوصف.
يُشير الدكتور حسام حلاق، معاون وزير إدارة الطوارئ والكوارث، إلى أنّه يجري العمل على إنشاء مركز وطني لمكافحة الألغام لتنسيق جهود الإزالة وتحسين رسم الخرائط. وزارة الدفاع، التي تمتلك مركبات مدرعة ومعدات ثقيلة، مُكلفة بعمليات في مناطق مليئة بالألغام. ومع ذلك، يُقرّ الحلاق بأنه “غالبًا ما يكون من المستحيل تحديد جميع المخاطر والسيطرة عليها”.
بدأت الدول الأوروبية في تكثيف جهودها. قال مايكل أوهنماخت، القائم بأعمال الاتحاد الأوروبي في سوريا، بعد زيارة مدارس داريا في أبريل/نيسان إن الاتحاد الأوروبي سيمول أنشطة إزالة الألغام وأكد على أهمية دمج التوعية بمخاطر الألغام في الفصول الدراسية. وقال المبعوث الألماني الخاص ستيفان شنيك في تغريدة: “تشكل الألغام والذخائر غير المنفجرة تهديدًا مميتًا لملايين الأشخاص”، وتعهد فيها بمواصلة دعم بلاده.
وزارة الدفاع تتدخل
بالإضافة إلى الجهود الإنسانية المحلية والدولية، لعبت وزارة الدفاع السورية دورًا فعالًا في إزالة الألغام، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق عالية الخطورة. من خلال الفرقة المدرعة 98 التابعة لها، أجرت الوزارة عمليات إزالة ألغام مستمرة في مناطق مثل الحويز والحماميات. تستخدم الوحدة أدوات متخصصة للكشف عن الألغام، وفي بعض الحالات، مركبات مدرعة تركية متخصصة، للمساعدة في عملها. في حقول الألغام الكثيفة بشكل خاص، تتم عمليات التطهير يدويًا.
على الرغم من التحديات اللوجستية، قامت فرق الهندسة التابعة للوزارة بتطهير الأراضي وتواصل التنسيق مع السلطات المحلية لرسم خرائط للمناطق الخطرة. هذه المساهمات تُعدّ حاسمة في الحد من الخسائر المدنية واستعادة الوصول إلى المنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية الأساسية.
أهمية التثقيف والتوعية
نظرًا لمحدودية القدرة على التطهير، تظل التوعية هي الشكل الأكثر قابلية للتوسع للحماية. تُنظم الخوذ البيضاء والهلال الأحمر العربي السوري حملات تثقيفية، وتُعلّم الأطفال كيفية التعرف على الذخائر غير المنفجرة، وتُدرّب العاملين في المجال الإنساني على كيفية العمل بأمان في المناطق الملوثة.
ومثل الدفاع المدني السوري، لدى الهلال الأحمر العربي السوري وحدة إنسانية لمكافحة الألغام تُساعد الضحايا على الحصول على خدمات إعادة التأهيل والأطراف الاصطناعية والدعم النفسي. وقد تلقت منظمات الإغاثة، بما في ذلك منظمة إحسان للإغاثة، ومنظمة ويلث نجر هيلفه (WHH)، ومنظمة بيبول إن نييد، تدريباً من الخوذ البيضاء فيما يتعلق بالذخائر غير المنفجرة.
ومع ذلك، ما دامت الألغام والذخائر غير المنفجرة باقية، فحتى حملات التوعية والتثقيف لا يمكنها القضاء على الخطر. عندما عاد براء الخالدي من الأردن ليرى ما تبقى من منزله القديم في حي جوبر الدمشقي، انضم إليه شقيقه. وبينما كانا يفتشان الحي، انفجر لغم مدفون بين الأنقاض. لم ينجُ شقيقه. لقد نجوا من الموت لما يقرب من 14 عامًا من الحرب، ليجدوه ينتظرهم في نفس المنزل الذي فروا منه قبل سنوات.