في الوقت الذي يواصل فيه بشار الأسد التمسك بالسلطة في سوريا، تتبنى حكومته بهدوء استراتيجية للابتعاد عن التوترات المتصاعدة بين إيران وإسرائيل.
لسنوات، كان الأسد لاعباً ملتزماً في “محور المقاومة”، وهو تحالف مع إيران وحزب الله ومجموعات أخرى معادية لإسرائيل.
ومع ذلك، تشير التصرفات الأخيرة إلى تحول ملحوظ في نهجه – محاولة محسوبة لإبعاد سوريا عن دور مباشر في هذا الصراع طويل الأمد.
ولكن ما الذي يدفع هذا التحول؟ وهل يمكن للأسد الحفاظ على هذا التوازن الدقيق دون أن ينفر حلفاءه الأقوياء أو يعرض نفسه لتهديدات جديدة؟
في قلب قرار الأسد يكمن الهدف الأسمى للنظام: البقاء بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية، تحطم اقتصاد سوريا، وجيشها منهك.
الانخراط في صراع كبير آخر، خصوصاً مع إسرائيل، لن يزيد سوى من عدم استقرار البلاد.
يعلم الأسد أن سوريا ليست في وضع يمكنها من التعامل مع العواقب المدمرة لمواجهة جديدة، خاصة مع الهشاشة الاقتصادية الحالية.
يعكس رفض الأسد الرد على الغارات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، لا سيما في منطقة القنيطرة بالقرب من مرتفعات الجولان، الرغبة في تجنب التصعيد.
ومع ذلك، قد يُنظر إلى هذا الصمت على أنه خيانة لحلفائه الإقليميين.
بالنسبة لإيران، يعد تحول الأسد ضارًا بشكل محتمل.
فقد استثمرت إيران بكثافة في سوريا، ماليًا وعسكريًا، للحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في المنطقة.
إن ابتعاد الأسد يعرضه لخطر إغضاب حليف ساعده على البقاء خلال أخطر سنوات الحرب الأهلية السورية.
قد لا تتسامح طهران مع ما تراه خيانة لشراكتها، مما قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات انتقامية من إيران، سواء كانت سياسية أو عسكرية، والتي قد تزعزع استقرار نظام الأسد الهش بالفعل.
على الجانب الآخر، تظل سوريا ساحة معركة رئيسية في حملة إسرائيل المستمرة لكبح نفوذ إيران.
تواصل إسرائيل شن غارات جوية تستهدف المواقع الإيرانية داخل سوريا، غير مكترثة بعدم تحرك الأسد.
قد يأمل النظام السوري في أن يبقيه الحياد في مأمن من الضربات الإسرائيلية، لكن مثل هذه الآمال غير واقعية.
ترى إسرائيل سوريا منصة للعمليات الإيرانية ولن تتوقف طالما أن طهران تحتفظ بوجودها هناك.
روسيا، الحليف الأكثر أهمية للأسد، تلعب دوراً رئيسياً في تشكيل استراتيجيته.
سلط مقال حديث من مركز أبحاث الجزيرة الضوء على جهود موسكو لمنع الجبهة السورية من أن تصبح بؤرة للصراع بين إسرائيل وإيران.
بالنسبة لروسيا، الهدف واضح: الحفاظ على الاستقرار في سوريا وتجنب أي تصعيد يمكن أن يصرف الانتباه عن أهدافها الاستراتيجية الأوسع.
بينما يركز الأسد على البقاء، فإن هذا التحول يحمل تداعيات إقليمية أوسع.
الابتعاد عن إيران قد يفتح الباب أمام دول عربية مثل السعودية أو الإمارات، التي بدأت بإعادة التواصل مع سوريا في السنوات الأخيرة.