في ظل اقتراب موسم الشتاء القاسي في سوريا، أثارت العواصف المطرية الأخيرة موجة جديدة من القلق في بلد يعاني أصلاً من صعوبات اقتصادية وأزمة نزوح مستمرة، فقد غمرت الأمطار الغزيرة بعض المنازل وأغرقت العديد من المجتمعات في المناطق الشمالية الغربية، بما في ذلك إدلب وحلب، وامتد هطول الأمطار من مدينة إدلب إلى بلدات مجاورة مثل أطمة وسلقين، وصولاً إلى جنديرس في منطقة عفرين الجنوبية وريف حلب الشمالي، مما أدى إلى أضرار مادية دفعت السكان لطلب المساعدة.
وتشير التقارير إلى تسرب المياه إلى المنازل في إدلب والمناطق المحيطة بها، مما فاقم الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها العديد من السكان، كما تسببت العاصفة في انقطاع التيار الكهربائي وتعطل الإنترنت، مما زاد من صعوبة الوضع بالنسبة للمتضررين، حيث لجأ السكان إلى استخدام أدوات بسيطة، مثل الدلاء والمكانس، لإزالة المياه من منازلهم، وقد دعت منظمات إنسانية إلى التدخل وسط مخاوف من تأثيرات محتملة على سكان المخيمات، خصوصاً الأطفال.
يعاني السكان النازحون في المنطقة، الذين يشكلون أكثر من 60٪ من سكان شمال سوريا، من ضعف شديد؛ إذ يعيش نحو مليوني شخص في مخيمات للنازحين داخلياً، بينما يواصل آلاف آخرون الفرار من عنف النظام السوري والهجمات المنسوبة للجيش الإسرائيلي في لبنان المجاور، وتعتمد العديد من العائلات على الخيام كمأوى، وهي توفر حماية ضئيلة ضد الظروف الجوية السيئة.
وزادت الأمطار من معاناة النازحين السوريين، متسببة في أضرار كبيرة بعدة ملاجئ مؤقتة، ففي شمال إدلب، تضررت ستة ملاجئ في مخيم حمد عمار، واثنان في مخيم الأنفال، ومأوى في مخيم شهداء اللطامنة في أطمة، كما أثرت الأمطار في ساعات الصباح الباكر على خيام في مخيم الجورة، الواقع في قرية البلا في سهل الروج غرب إدلب، وتسهم هذه الحوادث في تسليط الضوء على الضعف المستمر للنازحين، الذين يعيش الكثير منهم في ظروف غير ملائمة توفر حماية ضئيلة ضد الطقس القاسي.
وتزداد المخاوف أيضاً من أن تكون هذه الأمطار الأولى إشارة إلى قدوم الشتاء، ومع نزوح الآلاف يومياً وارتفاع تكاليف التدفئة مثل الخشب والديزل والفحم إلى مستويات تفوق قدرة العديد من الأسر، تتزايد المخاوف بشأن تأثير الشتاء على منطقة تعاني من هجمات متواصلة.
وتدفع هذه الأوضاع العديد من العائلات إلى اللجوء لحرق وقود منخفض الجودة، مثل الفحم الصناعي المصنوع من نفايات المصافي البدائية والزيوت والبلاستيك، والتي يتم جمعها غالباً من مراكز القمامة والنفايات. وقد حذر خبراء الصحة، مثل أحمد مهنا، من التأثيرات الجسدية والنفسية لهذه الأزمة. وقال مهنا إن “ارتفاع أسعار الوقود وتراجع القدرة الشرائية قد يؤديان إلى تأثيرات صحية خطيرة، لا سيما أمراض الجهاز التنفسي والكلى والأمراض العصبية”. كما يزيد استخدام وسائل التدفئة غير الآمنة من المخاطر، خاصة على الأطفال وكبار السن في مخيمات النزوح.
ومع اقتراب الشتاء الذي يهدد بتفاقم أزمة إنسانية حادة، يناشد السوريون المجتمع المدني والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات العاجلة، بما في ذلك توزيع الوقود بأسعار معقولة ودعم الضروريات الأساسية لأولئك الذين يعيشون في المخيمات والمستوطنات العشوائية.