بعد أشهر من المناورات الدبلوماسية والجهود الروسية للتوسط، يبدو أن محاولة تركيا لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد قد تعثرت. كان الهدف من هذا المسار تعزيز التعاون في القضايا الأمنية وتهيئة الظروف لانسحاب تركيا المحتمل من سوريا، لكنه وصل إلى طريق مسدود، حيث يرفض كل طرف تلبية الشروط الأساسية للمصالحة.
وقد أكد المسؤولون الروس، بمن فيهم المبعوث الخاص للرئيس الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتييف، على التعقيدات المحيطة بعملية التطبيع. وأشار إلى أن أحد أبرز العوائق يتمثل في تردد تركيا في تحديد موعد لانسحاب قواتها من شمال سوريا، وهو مطلب رئيسي من نظام الأسد. وقد أوضحت أنقرة مرارًا أن الوضع الأمني الحالي والتهديدات المستمرة من قوات حزب العمال الكردستاني تحول دون التزامها بجدول زمني محدد للانسحاب.
وقال لافرنتييف: “أشارت تركيا إلى أن الوقت الحالي ليس مناسبًا للانسحاب”، مضيفًا أن المناقشات المستمرة قد تساعد في “دفع عملية التطبيع قدمًا”. وشدد على أن الأسد يتردد في التفاوض مباشرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لم تكن هناك نتائج ملموسة. وأضاف: “كيف يمكن لرأس النظام السوري أن يلتقي بشخص دون وجود أي نتائج واضحة من هذا الاجتماع؟”، مما يعكس شكوك النظام إزاء عملية التطبيع.
تم تسليط الضوء على العلاقة المتوترة بين أردوغان والأسد في القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض، حيث بدا أن أردوغان غادر القاعة قبيل بدء كلمة الأسد، في خطوة اعتبرها العديد من المراقبين بمثابة إشارة إلى العداء العميق وعدم الثقة بين الزعيمين. وأظهرت هذه الواقعة عدم احتمال حدوث تقارب حقيقي رغم محاولات تركيا السابقة للانخراط دبلوماسيًا مع الأسد بوساطة روسية.
وتتميز علاقة أردوغان والأسد بتاريخ من العداء والخلافات التي لا يمكن التوفيق بينها حول مستقبل سوريا. فقد دعمت تركيا قوى الثورة السورية منذ بداية النزاع، وتحتفظ حاليًا بوجود عسكري في شمال سوريا، حيث أنشأت مناطق عازلة للحد من تأثير حزب العمال الكردستاني. من جانبه، يعتبر الأسد الوجود التركي في سوريا احتلالًا ويطالب بانسحاب كامل للقوات التركية كشرط أساسي لأي مصالحة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها تركيا إصلاح العلاقات مع الأسد فقط لتشهد محاولاتها تعثرًا. فعلى مدار العقد الماضي، انتهت عدة جولات من الحوار والتوسط، غالبًا بوساطة من روسيا وإيران، دون تحقيق تقدم كبير. وعلى الرغم من تشجيع روسيا للزعيمين على إعطاء الأولوية للتطبيع، فإن العقبات العملية، مثل المخاوف الأمنية لتركيا بشأن مجموعات حزب العمال الكردستاني وإصرار الأسد على الانسحاب التركي، لا تزال تمنع تحقيق اختراق.
وتعكس تصريحات لافرنتييف الموقف الروسي الذي يعتبر أن تطبيع العلاقات بين تركيا والأسد يشكل “أولوية” في استراتيجيتها الإقليمية. ومع ذلك، بدون التوصل إلى تسوية مقبولة بشأن الوجود العسكري التركي في سوريا، من غير المرجح أن تتقدم جهود التطبيع. فقد شددت موسكو على أن المصالحة بين أنقرة ودمشق ضرورية لاستقرار سوريا وتحقيق حل سياسي شامل، لكن مصالح تركيا ونظام الأسد لا تزال في تضاد جوهري.
حتى الآن، تبدو احتمالات لقاء أردوغان والأسد وجهًا لوجه بعيدة. حيث إن حسابات أردوغان الاستراتيجية، التي تتأثر بالمخاوف الأمنية الوطنية والاعتبارات السياسية، تجعل من الصعب على تركيا الانسحاب من شمال سوريا دون ضمانات تتعلق بقوات حزب العمال الكردستاني. بينما يصر الأسد على ضرورة التزام تركيا بجدول زمني للانسحاب، رافضًا النظر في مسألة التطبيع دون ضمانات لخروج القوات التركية من الأراضي السورية.
ومع تعثر عملية التطبيع بشكل فعلي، يبدو أن تركيا ونظام الأسد على استعداد لمواصلة مساراتهما الحالية، حيث يعزز الأسد سيطرته على معظم سوريا بدعم من إيران وروسيا، وتحتفظ تركيا بنفوذها على أجزاء من الشمال. من المرجح أن تستمر روسيا في الإصرار على تطبيع العلاقات بين تركيا والأسد، لكن المواقف المتجذرة لكل من أنقرة ودمشق تشير إلى أن أي تقدم – إن حدث – سيكون بطيئًا ومليئًا بالتحديات.
وفي الوقت الحالي، تعد مغادرة أردوغان قبل خطاب الأسد تذكيرًا رمزيًا بالتوترات المستمرة والعقبات التي حالت دون تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا لأكثر من عقد. ورغم الوساطة الروسية، يبقى حلم تطبيع العلاقات بين تركيا والأسد بعيد المنال، حيث يصعب التوفيق بين أهداف أردوغان والأسد المختلفة.