ربما تبدو أيام البراميل المتفجرة التي كانت تسقط من سماء سوريا ذكرى قاتمة، لكن بالنسبة لسكان شمال غرب سوريا، أخذ الرعب شكلاً جديدًا وأكثر خبثًا.
حلت الطائرات الانتحارية المدعومة من روسيا محل البراميل الشهيرة للنظام، حيث أصبحت هذه الأجهزة القاتلة المصممة بدقة تصيب الأهداف بمهارة، مستهدفة المنازل والمدارس والمزارع والبنية التحتية الحيوية بدقة مروعة.
بينما كانت البراميل المتفجرة تزرع الدمار بشكل عشوائي، تجلب هذه الطائرات المسيرة تهديدًا محسوبًا، مما يحول الحياة اليومية إلى دوامة مستمرة من الخوف والبقاء، ومع تحليق الطائرات المسيرة بشكل مهيب في السماء، يواجه السوريون كابوسًا متطورًا، حيث تقلب حياتهم رأسًا على عقب بسلاح صُمم ليس فقط للقتل، بل أيضًا للتخويف وزعزعة الاستقرار.
أسلحة جديدة ومعاناة قديمة
لفهم الطبيعة المميزة وتأثير الطائرات الانتحارية، تحدثت “Levant 24” مع محمد وحيد، المحلل العسكري المتخصص في سوريا. أوضح وحيد أن الطائرات الانتحارية تمثل تحولاً كبيرًا في ترسانة النظام.
قال وحيد: “ما يميز هذا السلاح عن غيره من الأسلحة التي جربتها روسيا والنظام على السوريين خلال الـ13 سنة الماضية هو أنه سلاح متعدد الوظائف، حيث استبدل العديد من الأسلحة التقليدية بمزايا أكثر.” وأضاف أن الطائرات المسيرة تتيح للمشغلين رؤية البيئة المحيطة عبر نظام نقل الفيديو المرتبط بنظارات الواقع الافتراضي أو شاشة محمولة، مما يسمح بتنفيذ ضربات دقيقة للغاية.
وأشار وحيد إلى أن تكلفة الطائرات الانتحارية أقل بكثير من الأسلحة التقليدية أو الذخائر عالية الدقة مثل قذائف “كراسنوبول” أو الطائرات المقاتلة، حيث تصل تكلفة أفضل النماذج إلى حوالي 1000 دولار فقط. “يمكن لهذا السلاح حمل أنواع مختلفة من الذخيرة، والتنقل في المساحات الضيقة مثل الخنادق أو نوافذ المباني، وحتى إصابة فتحات المعدات.”
أثر مدمر على الحياة اليومية
غيرت هذه الهجمات نمط الحياة اليومية في إدلب والمناطق الريفية المجاورة في حماة وحلب واللاذقية.
تستهدف الطائرات المسيرة المركبات والمحاصيل والمتاجر وحتى مرافق المياه، مما يعيق قدرة السكان على العمل أو الزراعة أو التنقل بحرية.
في المجال الزراعي، الذي يشكل شريان الحياة الاقتصادي في المناطق الريفية بإدلب، تعرض لخسائر فادحة.
المزارعون معرضون للخطر بشكل دائم مع تحليق الطائرات المسيرة على ارتفاعات منخفضة.
يقول مشهور الخلاصي، مزارع من كفر نوران: “هذا الموسم لم أستطع الزراعة أو الحصاد بسبب القصف.”
اجتماعيًا، بدأت مجتمعات بأكملها بالتفكك مع تزايد النزوح بشكل سريع، حيث تفر العائلات إلى المدن ومخيمات الحدود بحثًا عن الأمان.
القانون الدولي والمساءلة
في حين يحظر القانون الدولي بشكل صريح الهجمات على المدنيين والبنية التحتية الحيوية، لا توجد آليات حاليًا تحد من تصنيع وتنفيذ هذه التكنولوجيا الجديدة، ووفقًا لوحيد، فإن “الاستخدام المكثف للطائرات الانتحارية من قبل روسيا والنظام يحمل مخاطر جسيمة من انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصًا ضد المدنيين بالقرب من خطوط الاشتباك.”
ومع تصاعد الأزمة الإنسانية والنفسية الناتجة عن هذه الهجمات، تبرز الحاجة إلى اهتمام دولي عاجل للتصدي لهذه الأزمة المتفاقمة ومحاسبة النظام السوري وحلفائه الروس.