
في واحدة من أشد الغارات فتكًا من نوعها، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجومًا مدمرًا على أهداف مرتبطة بإيران في محيط مدينة تدمر الأثرية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 93 شخصاً من مقاتلي الميليشيات الموالية لإيران، بما في ذلك شخصيات رفيعة المستوى من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله. وتهدف الغارات، بحسب التقارير، إلى تعطيل سلسلة الإمدادات العسكرية الإيرانية بين العراق ولبنان، مما يشكل تصعيدًا كبيرًا في الحملة العسكرية الإسرائيلية في سوريا.
استهدفت الغارات يوم الأربعاء معاقل رئيسية للميليشيات، بما في ذلك تجمع لمقاتلي حركة النجباء وحزب الله. ودمرت الغارات مواقع في المنطقة الصناعية وقرب استراحة زكّر، الواقعة استراتيجياً على الطريق الدولي الذي يربط سوريا بالعراق. ومن بين القتلى 36 جنديًا من قوات نظام الأسد وأعضاء من الميليشيات و22 أجنبيًا، معظمهم من العراق ولبنان.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن من بين القتلى ضباطًا رفيعي المستوى، بمن فيهم اللواء عبد الله الزير. وتُعتبر هذه الغارة واحدة من أكثر الغارات الإسرائيلية تدميرًا، سواء من حيث عدد القتلى أو تداعياتها الجيوسياسية.
وبعد ساعات من الغارات الجوية، فرت قافلة مكونة من ثلاث سيارات تحمل 11 من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات الإيرانية من سوريا عبر معبر القائم الحدودي إلى العراق. وأكدت مصادر عسكرية أن القادة غادروا مواقع استراتيجية في دمشق وحمص وتدمر، وهي مناطق استهدفتها إسرائيل مرارًا في الأسابيع الأخيرة.
الهروب الجماعي لقيادات الحرس الثوري الإيراني، الذي يُعد غير مسبوق من حيث الحجم، يبرز تزايد هشاشة الهيكل العسكري الإيراني في سوريا، مع تسارع جهود إسرائيل لتفكيك البنية التحتية الإيرانية بالقرب من حدودها.
ويُرجح المحللون أن التصعيد الإسرائيلي الأخير في سوريا يهدف إلى اجتثاث خطوط الإمداد والروابط التي تربط القوات المدعومة من إيران في العراق وسوريا ولبنان. فمنذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، كثفت إسرائيل غاراتها الجوية في جميع أنحاء المنطقة، مستهدفة أصولاً مرتبطة بإيران ومواقع حزب الله في سوريا.
وصرّح أحمد زيدان، محلل سوري، قائلاً: “هذه أعنف الغارات الصهيونية على تدمر حتى الآن. الهدف هو قطع طريق الإمداد للميليشيات الطائفية بين العراق ولبنان، وإجبار قياداتها على الانسحاب”.
وقد أسفرت الغارات عن إصابة أكثر من 50 شخصًا، وفقًا لوزارة الدفاع التابعة للنظام، وأثارت إدانات من إيران وحلفائها. ونددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بالغارات ووصفتها بأنها “انتهاك لسيادة سوريا” وحذرت من “مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة”.
وفي الوقت نفسه، نعى مؤيدو النظام مقتل الجنود والضباط، الذين ينحدر العديد منهم من حمص ومناطق موالية أخرى. وقد زادت الغارات من حدة التوترات الطائفية، حيث تشير التقارير إلى أن معظم الضحايا كانوا من المناطق ذات الأغلبية الشيعية أو من الميليشيات المدعومة من إيران.
ومع توقع المزيد من الضربات، يثير انسحاب قيادات الحرس الثوري الإيراني تساؤلات حول استراتيجية إيران طويلة المدى في سوريا. ولكن في الوقت الحالي، وجهت العملية الإسرائيلية في تدمر ضربة قاسية لطموحات إيران في المنطقة، تاركة وكلاءها في موقف دفاعي.