
تعيش مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، تحولات كبيرة بعد تحريرها يوم الجمعة الماضي من قبل القوات الثورية ضمن حملة ردع العدوان. هذا التحول أدى إلى تحسينات في الخدمات الأساسية، مع جهود مستمرة لتثبيت الحياة اليومية للسكان. ومع ذلك، ما تزال التحديات قائمة، بما في ذلك التهديدات المستمرة بالغارات الجوية من قبل نظام الأسد وروسيا، وتعطل البنية التحتية، والضغط على النظام الصحي.
عملت المؤسسات الثورية بسرعة على استعادة الخدمات في حلب. تتوفر الكهرباء الآن في العديد من الأحياء لمدة تصل إلى 22 ساعة يوميًا، وهو تحسن ملحوظ مقارنة بانقطاع التيار الكهربائي المتكرر أثناء سيطرة نظام الأسد على المدينة. كما بدأت المياه في العودة إلى عدة مناطق بعد إجراء إصلاحات حيوية لمحطة ضخ سليمان الحلبي التي تغذي غرب حلب.
أعلنت “سيريافون”، وهي مزود اتصالات يعمل في المناطق المحررة، عن تركيب أبراج تغطية في عدة أحياء لاستعادة خدمات الإنترنت والاتصالات. وتهدف هذه الجهود إلى حل الفجوات الطويلة في الاتصالات التي أعاقت الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة.
كما تحسنت وفرة الخبز، حيث أعيد تفعيل المخابز العامة من قبل المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، بينما تقوم المخابز الخاصة ومنظمات الإغاثة المحلية، بما في ذلك هيئة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH)، بتوفير إمدادات إضافية. وتعد هذه الجهود أساسية للأحياء المكتظة بالسكان في حلب، حيث لا يزال الأمن الغذائي يمثل أولوية.
يواجه القطاع الصحي في حلب ضغوطًا هائلة بسبب قصف المستشفيات ونقص الكوادر الطبية. وتشير السلطات الثورية إلى أن ثلث الكوادر الطبية فقط قد عادوا للعمل، حيث يتردد الكثيرون بسبب استمرار غارات النظام الجوية التي تستهدف المرافق الصحية.
قصف النظام مستشفى حلب الجامعي في وقت سابق من هذا الشهر، مما أسفر عن مقتل 12 شخصًا وإصابة العشرات. وأوضح الدكتور عمر فاروق، وهو طبيب متطوع، أن المخاوف من الهجمات المستمرة، أعاقت الاستئناف الكامل لعمليات المستشفيات. ورغم هذه التحديات، انضم بعض العاملين الصحيين والمتطوعين من ريف حلب إلى الجهود المبذولة لتثبيت القطاع الطبي. وظهرت مبادرات مثل برنامج “الطبيب عبر الإنترنت” الذي يقدم استشارات طبية عن بعد عبر تطبيقات المراسلة لتخفيف العبء عن المنشآت المرهقة.
رحبت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا بالتأكيدات التي قدمتها القوات الثورية لحماية المدنيين والالتزام بالقانون الدولي. وأشادت عضوة اللجنة، لين ويلشمان، بتلك التصريحات، لكنها حثت على ضرورة ترجمة الأقوال إلى أفعال وتزويد العاملين الإنسانيين بالموارد اللازمة لتلبية الاحتياجات العاجلة.
أكد المبعوث الأممي الخاص، جير بيدرسن، على التقدم الذي أحرزته حلب تحت الإدارة الجديدة، مشيرًا إلى تحسين الخدمات وإطلاق سراح المعتقلين الذين كانوا محتجزين لدى نظام الأسد. ومع ذلك، حذر من أن الصراع المستمر، لا سيما الغارات الجوية على المناطق المدنية، يهدد استقرار المنطقة.
أدانت مديرية صحة حلب الحرة الهجمات التي يشنها نظام الأسد وروسيا على المرافق الصحية ووصفتها بأنها جرائم حرب. ودعا وزير الصحة في حكومة الإنقاذ السورية، مازن دخان، المجتمع الدولي إلى الضغط على النظام لوقف استهدافه للبنية التحتية المدنية.
يبقى سكان حلب متوجسين من احتمالية انتقام النظام وعدم الاستقرار الاقتصادي الذي يعصف بالمدينة. حيث تتفاوت أسعار الخبز، وتفتقر بعض الأحياء إلى الخدمات الأساسية، وتستمر خسائر الوظائف نتيجة إغلاق الأعمال خلال الفترة الانتقالية.
على الرغم من هذه التحديات، يعبر العديد من السكان عن تفاؤل حذر بشأن مستقبل المدينة تحت السيطرة الثورية. فالتحسينات في الخدمات الأساسية والانخفاض الملحوظ في الإجراءات الأمنية القمعية لنظام الأسد يبعثان الأمل في تحسين الحياة. وتعهد القادة الثوريون بمواصلة جهودهم لإعادة الحياة إلى طبيعتها، وضمان الأمن، وتلبية احتياجات السكان.
مع تأقلم حلب مع واقعها الجديد، سيلعب المجتمع الدولي دورًا حاسمًا في دعم الجهود الإنسانية والدفع نحو حل سياسي مستدم للأزمة السورية الطويلة.