
يشهد سقوط نظام الأسد الحاسم على يد الثورة السورية بداية عهد جديد للبلد الذي أنهكته الحرب، حيث تتولى الحكومة السورية الانتقالية السيطرة على المؤسسات الوطنية والملفات الحيوية. وبينما يحتفل السوريون بسقوط دكتاتورية روعتهم لأكثر من خمسة عقود، تبدأ المهمة الهائلة لإعادة بناء الأمة.
سعى قائد إدارة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، يوم الثلاثاء إلى طمأنة المجتمع الدولي، مؤكدًا أن الوضع في سوريا مستقر. وقال الشرع: “لا يجب أن تقلق الحكومات الأجنبية. الأمور تحت السيطرة، ونحن نواجه التحديات بخطط مدروسة تهدف إلى تحقيق الاستقرار”. وأوضح أن الشعب السوري أرهقته سنوات الصراع، مضيفًا: “الخوف كان من نظام الأسد، وقد سقط. والآن تتحرك البلاد نحو التنمية، وإعادة الإعمار، والاستقرار”.
سقوط بشار الأسد، الذي فر إلى روسيا، يشير أيضًا إلى تحول جيوسياسي كبير في الشرق الأوسط. ومع رحيل الأسد، الذي أنهى 13 عامًا من الحرب الأهلية وأكثر من 50 عامًا من حكم عائلته، يتعطل محور نفوذ رئيسي لإيران وروسيا في المنطقة.
اتخذ المصرف المركزي السوري خطوات سريعة لاستقرار النظام المالي. وأكد في بيان للمواطنين أن ودائعهم آمنة وأن الليرة السورية ستبقى العملة الوحيدة المتداولة. كما نفى المصرف الشائعات المتعلقة بسحب بعض الفئات النقدية، وتعهد بأن تصدر الإعلانات الرسمية فقط عبر منصاته المعتمدة.
تواجه الحكومة الانتقالية تحديات اقتصادية هائلة، بما في ذلك الدَين الوطني الكبير. وأقر رئيس الوزراء المؤقت، محمد البشير، بالصعوبات لكنه أعرب عن تفاؤله، مشيرًا إلى الإدارة الناجحة لإدلب تحت المؤسسات الثورية كنموذج للتعافي. وقال البشير: “ليس لدينا احتياطات من العملة الأجنبية بعد، وما زلنا نجمع بيانات عن القروض والسندات. لكننا نعتقد أنه مع الوقت، يمكننا تحسين وضع سوريا”.
بدأت المؤسسات الوطنية الرئيسية في نقل الملفات والمسؤوليات. وأعلنت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تم تعليقه الآن، أنها ستسلم أصول الحزب، والمركبات، والأموال إلى وزارة المالية ووزارة العدل. وفي الوقت نفسه، وُضعت جامعة الشام، وهي مؤسسة خاصة كانت مرتبطة سابقًا بنظام الأسد، تحت إشراف وزارة التعليم العالي.
وفي اجتماع مع قيادة غرفة العمليات الجنوبية، وهي اتحاد للقوى العسكرية الثورية في درعا، شدد الصائد أحمد الشرع على أهمية الجهود المنسقة لضمان الاستقرار في مناطق مثل حوران. وقال: “اجتماع اليوم خطوة مهمة نحو توحيد القوى الثورية تحت قيادة مركزية تحفظ حقوق الجميع”.
بدأت الحكومة الانتقالية بالفعل في اتخاذ خطوات لتوطيد السلطة وإدارة الدولة المحررة حديثًا. وأكد محمد غازي الجلالي، رئيس الوزراء السابق في عهد الأسد، أن إدارته نقلت الملفات إلى الحكومة المؤقتة. وكشف عن الفوضى التي كان يعاني منها نظام الأسد، مشيرًا إلى أن الوزراء الرئيسيين إما فروا من البلاد أو انقطع التواصل معهم في الأيام الأخيرة للنظام. وحث الجلالي المواطنين على حماية المنشآت العامة، معلنًا: “الممتلكات العامة ملك لكل السوريين. أدعو الجميع للحفاظ عليها”. كما نفى الشائعات التي تفيد بأنه قيد الإقامة الجبرية أو تعرض لسوء المعاملة.
تم تكليف حكومة الإنقاذ السورية في إدلب بتشكيل مجلس وزراء جديد للإشراف على المرحلة المقبلة من الحكم. وأكد القائد أحمد الشرع للسوريين أن الإدارة الجديدة مستعدة لمواجهة التحديات الهائلة المقبلة، مجددًا رؤيته للوحدة والمساءلة. وبينما تبدأ البلاد رحلة إعادة الإعمار والمصالحة، يراقب المراقبون الدوليون عن كثب كيفية اجتياز سوريا لهذه اللحظة المحورية في تاريخها.