
مع سقوط نظام بشار الأسد، تجد روسيا نفسها أمام إرث معقد لتدخلها في سوريا، وتسعى إلى إعادة ضبط دورها مع الحكومة الانتقالية الجديدة. إن الدعم الروسي الطويل للأسد يواجه الآن تدقيقًا مكثفًا، حيث تظهر أدلة على فساد النظام الممنهج وعجزه عن تحقيق الاستقرار رغم سنوات من الدعم الروسي.
منذ أن فر الأسد من دمشق لطلب اللجوء في موسكو في 8 ديسمبر، اتخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موقفًا حذرًا. أكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، وضع الأسد كلاجئ، لكنه شدد على عدم وجود خطط للقاء الزعيمين. وصرح نائب وزير الخارجية، سيرغي ريابكوف، للصحفيين بأن “وضعه آمن”. بذلك، ينضم الأسد إلى قائمة شخصيات مثيرة للجدل منحتها روسيا اللجوء، بما في ذلك مجرمو حرب صرب وغيرهم من المطلوبين دوليًا.
لسنوات، كان الأسد أحد أهم حلفاء موسكو في الشرق الأوسط، حيث تدخلت روسيا بشكل حاسم في عام 2015 لدعم نظامه. وكان الدعم العسكري الروسي، بما في ذلك آلاف الطلعات الجوية من قاعدة حميميم، حاسمًا في تغيير مجرى الحرب الأهلية السورية. قدمت موسكو نفسها كضامن للاستقرار، وغالبًا ما صورت الأسد كحصن ضد “الإرهاب”.
ومع ذلك، كشف انهيار النظام عن تآكل هياكله العسكرية والإدارية. فرار الأسد يمثل ذروة سنوات من الانحدار، حيث لم يعد الدعم العسكري الروسي قادرًا على إخفاء ضعف النظام الداخلي.
قاعدة طرطوس البحرية على البحر الأبيض المتوسط، كانت ركيزة لاستراتيجية موسكو العسكرية، حيث قدمت دعمًا لوجستيًا حيويًا. ولكن مع رحيل الأسد، يبقى مستقبل القاعدة غير مؤكد. تظهر صور الأقمار الصناعية السفن الحربية الروسية راسية قبالة الساحل، مما يشير إلى سيطرة هشة على المنشأة.
علاوة على ذلك، تواجه الكرملين انتقادات من المدونين الروس المؤيدين للحرب، الذين ينددون بخسائر الجنود والمقاولين الروس خلال التدخل السوري. ووفقًا لـ BBC الروسية، قُتل أكثر من 540 فردًا روسيًا في سوريا بين عامي 2015 و2024، وهي خسائر تُعتبر الآن تضحية من أجل نظام انهار في النهاية.
بعد سقوط الأسد، سارعت وسائل الإعلام الروسية إلى تعديل روايتها، واصفةً القوات الثورية السورية بأنها “تقدمية”، ومؤكدةً سياساتها الشاملة. وقد استبدلت السفارة السورية في موسكو علم النظام بعلم الثورة، مما يشير إلى تحول سريع في الولاءات.
قال أناتولي كوزيتشيف، المذيع الروسي البارز: “لطالما آمنت روسيا بأن السوريين يجب أن يقرروا مستقبلهم”. هذا التحول في الموقف يبرز نهج الكرملين البراغماتي، حيث يسعى للحفاظ على نفوذه في سوريا دون الارتباط بأعباء نظام الأسد.
يترك سقوط الأسد إرثًا معقدًا لبوتين. فعلى الرغم من أن موسكو يمكنها الادعاء بأنها نجحت مؤقتًا في استقرار حكم الأسد، إلا أن فساد النظام واعتماده على الدعم الروسي والإيراني أدى في النهاية إلى انهياره. كما أن تحويل الأسد سوريا إلى دولة مخدرات تنتج الأمفيتامينات المعروفة باسم الكبتاغون زاد من تشويه صورة الكرملين المرتبطة به.
أظهر التقدم السريع للثورة السورية عبر حلب وحماة ودمشق هشاشة قوات الأسد، حيث تخلى العديد من الجنود عن مواقعهم دون مقاومة. وبحلول الوقت الذي دخلت فيه الثورة العاصمة، لم يبقَ شيء تقريبًا من البنية العسكرية للنظام التي كانت تخيف الجميع.
مع انخراط روسيا في التعامل مع الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، يتعين عليها تحقيق التوازن بين رغبتها في الحفاظ على نفوذها وواقع تراجع نفوذها. إن تحول الكرملين بعيدًا عن الأسد يعكس حاجته لحماية مصالحه الاستراتيجية مع الابتعاد عن نظام يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه فاسد وقمعي.
بالنسبة للسوريين، يقدم رحيل الأسد بصيص أمل لمستقبل أكثر إشراقًا. ومع ذلك، فإن تحديات إعادة بناء بلد دمرته أكثر من عقد من الحرب تبقى هائلة. يبقى دور روسيا في هذه العملية غير مؤكد، حيث تسعى لتجاوز تداعيات علاقاتها الوثيقة مع ديكتاتور ساقط.
في حين منح بوتين الأسد اللجوء لحماية إرثه، تشير المناورات الحذرة للكرملين إلى أن تركيزه الأساسي هو الحفاظ على نفوذه الإقليمي بدلًا من الدفاع عن حليفه السابق.