
تتخذ الحكومة السورية الانتقالية (STG) أولى خطواتها لإعادة تشكيل البلاد بعد سقوط نظام بشار الأسد، مع التركيز على الإصلاح السياسي، التعافي الاقتصادي، وعودة المواطنين النازحين. وتراقب القوى الإقليمية والدولية هذه الجهود عن كثب مع عمل الحكومة على تحقيق الاستقرار في بلد مزقته الحرب على مدى 14 عامًا تقريبًا.
إعادة الإعمار وعودة اللاجئين:
التقى أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية (CMO)، بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة غير بيدرسون يوم الأحد لمناقشة تحديث قرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي طالما وجه المناقشات الدولية حول مستقبل سوريا. وأكد الشرع أن التغيرات السياسية الأخيرة تستدعي مراجعة القرار ليتماشى مع الواقع الجديد على الأرض.
خلال الاجتماع، شدد الشرع على الحاجة إلى تخطيط شامل لضمان وحدة الأراضي السورية، إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتوفير فرص اقتصادية تشجع على العودة الآمنة لملايين اللاجئين.
وقال الشرع: “يجب التعامل مع المرحلة الانتقالية بحذر ودقة لتجنب أي أخطاء.” ودعا إلى التعاون مع فرق متخصصة لإعادة تأهيل المؤسسات وتهيئة بيئة مستقرة. من جانبه، أيد بيدرسون، في أول زيارة له إلى دمشق منذ سقوط النظام، أهمية المشاركة من جميع السوريين في العملية السياسية السورية. وأضاف: “لا نريد أي عمليات انتقامية في سوريا. يجب أن تعمل المؤسسات الحكومية بكامل طاقتها وبشكل آمن لدعم عملية التعافي.” وأعرب عن أمله في رفع العقوبات عن سوريا قريبًا لدعم جهود إعادة البناء الاقتصادي.
الإصلاحات الرئيسية المعلنة:
خلال اجتماعه مع الصحفيين، كشف أحمد الشرع عن سلسلة من الإصلاحات الواسعة النطاق التي تهدف إلى تحويل الحوكمة والاقتصاد والأمن في سوريا.
أعلن عن خطط لحل جميع الفصائل المسلحة، وحصر استخدام السلاح بالمؤسسات الحكومية لضمان السيطرة المركزية ومنع المخاطر التي يشكلها الفاعلون غير الحكوميين.
سيتم إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية، التي كانت مصدر تذمر شعبي طويل الأمد، واستبدالها بمعسكرات تدريب قصيرة الأجل اختيارية تهدف إلى الحفاظ على الجاهزية دون فرض أعباء زائدة على المواطنين.
أما وزير الداخلية محمد عبد الرحمن، فقد تناول المخاوف بشأن المساءلة وإعادة الإدماج خلال المرحلة الانتقالية. وكشف أن ضباط النظام السابق أحرقوا العديد من المباني والمنشآت لإخفاء أدلة جرائمهم. وعلى الرغم من ذلك، أكد عبد الرحمن التزام الحكومة بملاحقة العدالة وضمان محاسبة كل من تورط في سفك دماء السوريين أو ارتكب جرائم بحق الشعب.
وفي المقابل، شدد عبد الرحمن على أهمية المصالحة الوطنية، مشيرًا إلى أن المنشقين الذين تركوا النظام في بداية الثورة سيتم إعادتهم إلى أدوارهم للمساهمة في إعادة بناء سوريا الجديدة. وقال: “نحن ملتزمون بضمان أمن وحماية جميع فئات المجتمع السوري.”
على الصعيد الاقتصادي، كشف الشرع عن خطط لزيادة الأجور والرواتب بنسبة 400%، وإطلاق عملة سورية جديدة بمجرد استقرار سعر الصرف. ستعطى الأولوية في جهود إعادة الإعمار لإعادة بناء المنازل المدمرة وتسهيل إعادة توطين النازحين. سيتم التركيز بشكل خاص على تفكيك مخيمات النزوح في مناطق مثل إدلب وحلب وحماة، مما سيمكن ملايين النازحين داخليًا من العودة إلى مجتمعاتهم.
بالإضافة إلى ذلك، ستركز الحكومة على استعادة الحكم الذاتي والإدارة في محافظات مثل الرقة والحسكة ودير الزور، لضمان إدارة هذه المناطق من قبل سكانها المحليين. كما سيتم دعوة السوريين المؤهلين الذين يعيشون في الخارج للعودة والمساهمة بخبراتهم في جهود إعادة بناء البلاد، وهي خطوة تُعتبر حيوية لمعالجة احتياجات الموارد البشرية في سوريا خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.
التفاعل الدولي:
استجاب المجتمع الدولي بحذر مشوب بالتفاؤل. أعلنت قطر أنها ستعيد فتح سفارتها في دمشق يوم الثلاثاء، وهي المرة الأولى التي تستأنف فيها العلاقات الدبلوماسية مع سوريا منذ قطعها في عام 2011. كما تعهدت قطر بجهود إغاثية، بما في ذلك جسر جوي لتقديم المساعدات الإنسانية، وجددت دعمها لتطلعات الشعب السوري للكرامة والعدالة.
من جهتها، التزمت المملكة المتحدة بتقديم 63 مليون دولار كمساعدات لدعم السوريين الضعفاء، بما في ذلك اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة، بينما أعرب الاتحاد الأوروبي عن استعداده للتعامل مع الإدارة الجديدة في دمشق. وقال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن تصرفات الحكومة الانتقالية في الأسابيع المقبلة ستحدد مستوى المشاركة الأوروبية، مع وصول مبعوث دبلوماسي إلى دمشق يوم الاثنين لبدء المحادثات.
حوار شامل:
أكد بدر جاموس، رئيس هيئة التفاوض السورية، على أهمية إطلاق حوار سوري شامل تحت إشراف الأمم المتحدة في دمشق. ودعا إلى تشكيل هيئة حاكمة انتقالية تشاركية تشمل قوى الثورة، المجتمع المدني، وممثلي السلطة الانتقالية.
وقال جاموس: “يجب أن يجمع مؤتمر وطني شامل جميع شرائح المجتمع السوري لصياغة دستور جديد ووضع الأسس لانتخابات ديمقراطية.” وشددت هيئة التفاوض على أن الانتخابات يجب أن تُجرى في بيئة آمنة ومحايدة تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان “التمثيل الحقيقي لإرادة الشعب السوري.”
مستقبل واعد:
وصف القائد أحمد الشرع جهود الحكومة الحالية بأنها تضع “الخطوط العريضة” لمستقبل سوريا، متعهدًا باتخاذ قرارات خلال الأيام المقبلة ستؤثر إيجابًا على حياة المواطنين. وأعرب عن تفاؤله بدور الإعلام في دعم الحكومة والحفاظ على الشفافية.