شهدت ساحة الأمويين في دمشق يوم الخميس مظاهرة دعت إلى تشكيل دولة مدنية علمانية، مما يشير إلى فصل جديد في المشهد السياسي السوري. ونظمت هذه الفعالية من قبل ما يسمى بـ”تجمع الشباب المدني” بهدف تعزيز الوحدة الوطنية وحرية التعبير، لكنها أثارت انتقادات حادة بسبب مشاركة مؤيدين بارزين لنظام بشار الأسد المخلوع. وتعد هذه المظاهرة الأولى من نوعها منذ سقوط الأسد، حيث جرت دون تدخل من الحكومة الانتقالية السورية (STG) أو القوى الثورية التي تشرف على الأمن في المدينة.
الوحدة وسط وجود أنصار الأسد
ردد العديد من المتظاهرين شعارات ثورية مثل: “واحد، واحد، واحد… الشعب السوري واحد”، معبرين عن تطلعات نحو سوريا تعددية وشاملة. لكن وجود آخرين يهتفون بشعارات مثل: “الدين لله والوطن للجميع” أثار الجدل، خاصة مع مشاركة شخصيات بارزة من مؤيدي نظام الأسد بين الحشود.
وكان بعض المشاركين قد استخدموا سابقًا وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للقمع العنيف ضد المعارضين، تمامًا مثل هذه التجمعات التي حضروها الآن. وخلال حكم الأسد، كانت مثل هذه المظاهرات تُقمع بإطلاق النار والهجمات والاعتقالات الجماعية. وكان من بين الحاضرين وجوه بارزة دعمت علنًا استخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الثائرين على نظام الاسد.
ومن هؤلاء ريم رسلان التي سبق أن كتبت على منصة تويتر (المعروفة الآن باسم X): “هذه البراميل [المتفجرة] قليلة… هم [السوريون المدنيون] بحاجة إلى دبابات وآمل أن تكون مليئة بالمواد الكيميائية”.
ضبط النفس الثوري
بالرغم من التاريخ المقلق لبعض الحاضرين، لم تقم الحكومة الانتقالية السورية ولا الشرطة الأمنية الثورية، بما في ذلك أعضاء من هيئة تحرير الشام (HTS)، بتفريق المظاهرة أو اعتقال المشاركين. ويمثل هذا النهج خروجًا كبيرًا عن أسلوب نظام الأسد السلطوي في قمع الاحتجاجات العامة، حيث كانت المظاهرات السلمية تواجه عادةً قمعًا عنيفًا في عهد النظام السابق.
قرار السماح للمظاهرة بالمضي قدمًا يُظهر التزام الحكومة الانتقالية بحماية حرية التعبير والتجمع، حتى لأولئك الذين دعموا سابقًا أساليب القمع.
وقال أحد النشطاء الذين كانوا يشاهدون المظاهرة: “هذه المظاهرة ما كانت لتحدث تحت حكم الأسد”. وأضاف: “إنها رسالة قوية تفيد بأن حتى من لديهم آراء معارضة أصبحوا الآن أحرارًا في التعبير عن أنفسهم دون خوف من الاعتقال أو العنف”.
دولة مدنية
وصف منظمو تجمع الشباب المدني المظاهرة بأنها خطوة نحو بناء سوريا ديمقراطية. وأكد المشاركون رؤيتهم لدولة خالية من الحكم العسكري أو الديني، مع حكومة تضمن الشفافية والمساواة وتمثيل جميع السوريين.
وقال أحد المحتجين: “نسعى إلى سوريا مدنية تشمل جميع فئات المجتمع. هدفنا هو الوقوف ضد أي أخطاء ترتكبها الحكومات المستقبلية وضمان شمول جميع الأصوات في عملية صنع القرار”.
وأعرب مشارك آخر عن نفس المشاعر، داعيًا إلى صياغة دستور جديد يعكس تنوع سوريا ويضمن حقوق جميع مواطنيها. وقالت شابة شاركت في المظاهرة: “نحن هنا اليوم لنقول إننا نريد دولة ديمقراطية ودستورًا يضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري دون تمييز”.
تحديات المستقبل
على الرغم من أن المظاهرة أبرزت إمكانات سوريا أكثر حرية وتعبيراً عن الرأي، إلا أن مشاركة مؤيدي الأسد أثارت تساؤلات حول المساءلة والمصالحة. وأكد بعض النقاد أن أولئك الذين دعموا الفظائع تحت حكم الأسد يجب أن يواجهوا العدالة قبل أن يُرحب بهم في الخطاب العام.
امتنعت الحكومة الانتقالية السورية عن التعليق على وجود أنصار الأسد في المظاهرة. ومع ذلك، فإن تسامحها مع هذه الفعالية يشير إلى استعدادها لإعطاء الأولوية للحريات المدنية على الإجراءات العقابية، حتى مع مواجهة مهمة إعادة بناء وطن ممزق.
ومع انتقال سوريا نحو مستقبل خالٍ من الديكتاتورية، سيكون التحدي متمثلًا في تحقيق التوازن بين حرية التعبير وضرورة تحقيق العدالة والمساءلة. وحتى الآن، تُعد مظاهرة يوم الخميس في ساحة الأمويين شهادة على إمكانية التعايش السلمي في عصر جديد لسوريا.