
كثفت الحكومة الانتقالية السورية جهودها لتحقيق العدالة وضمان المساءلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال عقود من حكم نظام الأسد. وفي حملة شاملة تستهدف الأفراد المسؤولين عن التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء وغيرها من الفظائع، تسعى الإدارة الجديدة إلى معالجة معاناة الملايين من السوريين مع إظهار التزامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون.
العدالة لضحايا التعذيب
تعهد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني يوم الجمعة الماضي بملاحقة المتورطين في تعذيب الآلاف من السوريين في ما وصفه بـ “مسالخ الأسد”. وفي حديثه بعد المشاركة في صلاة جنازة غيابية لضحايا التعذيب، أعلن الشيباني: “لن نتردد في تقديم المتورطين في هذا إلى العدالة”.
جاءت تصريحاته في الوقت الذي تواصل فيه أسر الضحايا الحداد على أحبائهم الذين تعرضوا للتعذيب والقتل في المعتقلات مثل سجن صيدنايا. وتشير التقارير الدولية إلى أن آلاف المعتقلين أعدموا سراً في السجن سيئ السمعة بين عامي 2011 و2015، وهي الفترة التي اتسمت بالانتهاكات المنهجية في ظل النظام البائد.
اعتقال شخصيات رئيسية في النظام
شنت إدارة العمليات العسكرية في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية سلسلة من الاعتقالات استهدفت أفراداً بارزين مرتبطين بالنظام السابق، مثل سلامة محمد، الذي عمل في سجن صيدنايا سيئ السمعة وحاول التنكر في هيئة معتقل لمراسلة شبكة سي إن إن كلاريسا وارد، وفخري درويش، رئيس مكتب لواء القدس في حلب.
وفي اللاذقية، اعتقلت السلطات اثنين من كبار قادة لواء القدس، وهي ميليشيا موالية للأسد مذنبين بارتكاب العديد من الجرائم، وخاصة ضد الفلسطينيين. ويواجه بسام توفيق، الملقب بأبو طه، وبسام محمد مقصود تهم ارتكاب جرائم ضد الشعب السوري، بما في ذلك القتل والتشويه والاتجار بالمخدرات.
كما اعتقلت إدارة العمليات العسكرية في طرطوس محمد كنجو حسن، رئيس القضاء العسكري السابق لنظام الأسد. ويتهم حسن، الذي أشرف على العديد من عمليات الإعدام في سجن صيدنايا، بالسماح بالتعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.
وقد جاء اعتقاله في أعقاب اشتباكات دامية بين قوات الأمن والموالين المسلحين الذين حاولوا حمايته. وأشاد الائتلاف الوطني السوري بجهود السلطات السورية الجديدة لمقاضاة الشخصيات الرئيسية المسؤولة عن جرائم النظام، قائلاً: “إن القبض على حسن خطوة مهمة على طريق العدالة”.
العدالة والمساءلة
حثت منظمات حقوق الإنسان السلطات السورية الحالية على التمسك بمبادئ العدالة والشفافية في ملاحقتها لمسؤولي النظام السابق. وشدد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، على أهمية مقاضاة الأفراد المتورطين في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وقال عبد الغني: “الهدف هو إرسال رسالة إلى الضحايا بأن السلطات جادة في محاسبة هؤلاء الأشخاص في محاكمات عادلة”. كما حذر من تبني الممارسات القمعية للنظام السابق، مؤكداً أن القضاء وحده هو الذي يجب أن يقرر العقوبات.
ورددت أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالتعذيب، هذه الدعوات، وحثت المجموعة الدولية على قبول نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لتسهيل محاكمة الدكتاتور السابق بشار الأسد وغيره من كبار المسؤولين.
جهود التعافي وإعادة البناء
في لفتة مصالحة، دعت وزارة الداخلية المنشقين عن نظام الأسد بين عامي 2011 و2021 للانضمام إلى صفوفها، في إشارة إلى الجهود المبذولة للحفاظ على سلامة مؤسسات الدولة مع معالجة الماضي.
وفي الوقت نفسه، يواصل آلاف السوريين زيارة سجن صيدنايا، على أمل العثور على آثار أحبائهم بين المفرج عنهم بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول. وكان سقوط الأسد بمثابة نهاية 61 عامًا من حكم حزب البعث و53 عامًا من هيمنة عائلة الأسد.
عصر المساءلة
تعهد القائد أحمد الشرع بإعطاء الأولوية للعدالة والمساءلة خلال المرحلة الانتقالية. وتهدف الإدارة إلى تحقيق التوازن بين الحاجة إلى محاسبة المذنبين والالتزام بحقوق الإنسان والحكم العادل. ومع استمرار اعتقال شخصيات النظام السابق، تواجه السلطات السورية الجديدة التحدي المزدوج المتمثل في معالجة ماضي سوريا المؤلم مع وضع الأساس لمستقبل أكثر عدالة.