
في خطوة تاريخية، تم تعيين ميساء صابرين كأول امرأة حاكمة لمصرف سوريا المركزي، مما يمثل إنجازًا كبيرًا في تاريخ البلاد ويعكس التزام الحكومة الانتقالية السورية بالتشاركية والإصلاح. يؤكد هذا التعيين رؤية لسوريا جديدة تعطي الأولوية للكفاءة والاستقرار والمساواة بين الجنسين في المناصب القيادية.
مسيرة ريادية في مجال البنوك
تتمتع صابرين بخبرة عقود في القطاع المصرفي والمالي. حصلت على شهادتي البكالوريوس والماجستير في المحاسبة، بالإضافة إلى شهادة المحاسب القانوني المعتمد (CPA)، من جامعة دمشق، حيث نالت أيضًا درجة الدكتوراه في ديسمبر 2024.
امتدت مسيرتها المهنية في مصرف سوريا المركزي عبر عدة مناصب قيادية، منها نائب أول للحاكم، ومديرة الإشراف، ومديرة مديرية هيئة الرقابة الحكومية. كما عملت عضوة في مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية منذ عام 2018، مما يبرز معرفتها العميقة بالنظام المالي السوري.
تتسلم صابرين المنصب خلفًا لمحمد عصام هزيمة، الذي تم تعيينه في عام 2021 خلال نظام الأسد السابق. ويُعد هذا التعيين كسرًا لسابقة استمرت 68 عامًا في تولي الرجال فقط قيادة مصرف سوريا المركزي، ويعتبر خطوة مهمة نحو تمكين المرأة في إدارة سوريا ما بعد الثورة.
تعيين ذو أهمية كبيرة
يُنظر إلى قرار الحكومة الانتقالية بتعيين صابرين على أنه رسالة مقصودة ورمزية للجماهير المحلية والدولية على حد سواء. ويُبرز هذا التعيين نية الحكومة الانتقالية للحفاظ على استقلالية مصرف سوريا المركزي عن التدخلات السياسية – وهو ما يمثل تناقضًا واضحًا مع دوره خلال حكم الأسد، حيث كان البنك يُستخدم كأداة لتنفيذ توجيهات رئاسية، مما ساهم في زعزعة استقرار الاقتصاد السوري.
تاريخ صابرين المهني في القطاع المصرفي يشير إلى أولوية الخبرة والاستمرارية على الانتماءات السياسية.
تحديات اقتصادية كبيرة
تواجه صابرين تحديات هائلة. فقد تركت سنوات الحرب والعقوبات وسوء الإدارة الاقتصادية الاقتصاد السوري في حالة يرثى لها. لا يزال سعر صرف الليرة السورية متقلبًا، وتكاد الثقة العامة في المؤسسات المالية تكون معدومة.
ستكون إحدى أولوياتها إعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري، والقضاء على الفساد، ومعالجة انتشار القروض المعدومة – وهي إرث من المحسوبية السياسية في النظام السابق. وصرح محلل مالي مطلع على الوضع الاقتصادي السوري: “يتعين على صابرين أن تبدأ فورًا في اجتثاث الفساد والمحسوبية والقروض المتعثرة التي أنهكت القطاع المصرفي لسنوات”.
كما أن استعادة قيمة الليرة السورية (SYP) ستتطلب إعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية، وزيادة عائدات الصادرات، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وملاحقة الأصول المنهوبة من قبل النظام السابق. وستتطلب هذه الجهود تنسيقًا مع وكالات الدولة والشركاء الدوليين.
إشارة للاستقرار والاستمرارية
يشير هذا التعيين إلى التزام الحكومة الانتقالية السورية بطمأنة السوريين والمجتمع الدولي بشأن الاستقرار المالي. تُعتبر معرفة صبرين العميقة بتفاصيل عمل مصرف سوريا المركزي وخبرتها الواسعة في إدارة السياسة النقدية تأهيلًا فريدًا لها لقيادة المؤسسة في هذه المرحلة الحرجة.
كما يُتوقع أن تمتد مسؤولياتها إلى ما هو أبعد من السياسة النقدية لتشمل تأثيرها على قطاعات أخرى حيوية، مثل سوق دمشق للأوراق المالية ومجلس النقد والائتمان، مما يضمن توافق هذه القطاعات مع الأهداف الاقتصادية للحكومة الانتقالية.
حقبة جديدة للمرأة السورية
يعكس تعيين صابرين التاريخي، إلى جانب إنشاء مكتب شؤون المرأة، رؤية الحكومة الانتقالية الأوسع لتمكين المرأة في عملية إعادة بناء سوريا. ومن المتوقع أن يلهم دورها القيادي مزيدًا من النساء لتولي أدوار بارزة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع سعي الحكومة الانتقالية نحو تعزيز مجتمع أكثر تشاركية.
تحديات في الأفق
ستكون مسيرة صابرين كأول امرأة حاكمة لمصرف سوريا المركزي محط أنظار الجميع. وسيعتمد نجاحها على قدرتها على التنقل بين شبكة معقدة من التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ومع ذلك، يمثل تعيينها لحظة محورية لسوريا – لحظة تحمل آمالًا بمستقبل مبني على الجدارة والمساواة والاستقرار. ومع استمرار سوريا في مرحلتها الانتقالية، ستُعتبر قيادتها للبنك المركزي اختبارًا لالتزام الحكومة الانتقالية بالإصلاح وبناء الثقة والشفافية.