
أصبحت إعادة تأهيل قطاع الطاقة في سوريا أولوية قصوى للحكومة الانتقالية السورية (STG) في إطار جهودها لاستعادة الخدمات الأساسية، تحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتمهيد الطريق لإعادة الإعمار الوطني. فقد ألحق الصراع المستمر منذ أكثر من عقد والعقوبات أضرارًا جسيمة بهذا القطاع، الذي يُعد مفتاحًا لإحياء الحياة اليومية وتعزيز التعافي الصناعي.
عصر جديد من التعاون والمساعدات
شهد هذا الأسبوع تقدمًا كبيرًا مع الإعلان عن وصول محطتين عائمتين لتوليد الكهرباء، إحداهما من تركيا والأخرى من قطر، لتقديم الدعم لسوريا. ووفقًا لخالد أبو دي، المدير العام للمؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء، فإن هذه المحطات ستولد 800 ميجاواط – ما يعادل نصف إنتاج الكهرباء الحالي في البلاد.
وقال أبو دي: “هذه الإضافات ستزيد من حصة المواطنين من الكهرباء بنحو 50%”. وأضاف أن العمل جارٍ لتأمين خطوط نقل الكهرباء التي ستولدها المحطات. لسنوات، عانى السوريون من نقص الكهرباء، مع انقطاعات يومية تصل إلى 20 ساعة. وتعهدت الحكومة الانتقالية بضمان ثماني ساعات من الكهرباء يوميًا في غضون شهرين، وهو هدف أصبح أكثر قابلية للتحقيق بفضل التعاون الدولي الأخير.
إرث ثقيل من الدمار
تركت الحرب سوريا بمرافق طاقة مدمرة، بما في ذلك حقول النفط والغاز، ومحطات توليد الكهرباء، وخطوط النقل. وتُقدر خسائر قطاع الكهرباء وحده بنحو 40 مليار دولار، وفقًا لمسؤولين سابقين في النظام. أما الخسائر الاقتصادية الإجمالية فهي هائلة، حيث تتراوح بين 400 و530 مليار دولار، بما في ذلك 115 مليار دولار خسائر في قطاع النفط.
كان إنتاج النفط في سوريا، الذي يتركز في محافظات دير الزور والحسكة وحمص، يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد. ففي عام 2010، بلغ إنتاج النفط 385 ألف برميل يوميًا، لكن هذا الرقم انخفض بشكل كبير إلى 24 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2018 بسبب الصراع وتدمير البنية التحتية.
تخفيف العقوبات الأمريكية والدعم الدولي
جلبت التطورات الأخيرة تفاؤلًا حذرًا، حيث أعلنت الولايات المتحدة تخفيفًا للعقوبات لمدة ستة أشهر لتسهيل استعادة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه. ورغم ذلك، دعت الحكومة الانتقالية إلى رفع كامل للعقوبات، معتبرةً أنها تعيق استيراد السلع الحيوية مثل الوقود والقمح.
تطبيق نموذج إدلب
في حين فشلت المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق في إعادة تأهيل قطاع الطاقة، قدمت إدلب نموذجًا ناجحًا بفضل شراكتها مع تركيا وشركة الطاقة الخضراء (Green Energy). حيث تستورد إدلب الكهرباء عبر خط تردد عالي من تركيا، مما يوفر الطاقة لـ70% من سكان المحافظة، ويدعم المنازل والأعمال والخدمات الأساسية.
طريق التعافي
إعادة تأهيل قطاع الطاقة في سوريا أمر حاسم لإنعاش الاقتصاد. فاستعادة الكهرباء ستفيد الأسر والمصانع، وتعيد الحياة إلى المرافق الصناعية المتوقفة منذ سنوات. كما تشمل الخطط المستقبلية للحكومة إصلاح البنية التحتية للمطارات لتسهيل حركة الشحن والركاب، ما يعزز اندماج سوريا في الاقتصادات الإقليمية والعالمية.
رغم التحديات الكبيرة، بما في ذلك الحاجة إلى استثمارات بمليارات الدولارات وتعقيدات سياسية، فإن الشراكات الدولية والتخطيط الاستراتيجي تمثل خطوات أولى نحو مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة لسوريا.