
قامت الحكومة السورية المؤقتة (STG) بتنفيذ نظام تعريفة جمركية موحد عبر جميع المكاتب الجمركية البرية والبحرية والجوية، مما أثار جدلاً واسعاً. واعتُبر هذا القرار، الذي أُعلن يوم السبت، خطوة لتعزيز الصناعات المحلية وتوحيد الأنظمة الاقتصادية، بينما حذّر منتقدون من تأثيراته الاقتصادية الفورية والقاسية، خاصة في شمال سوريا.
أهداف زيادة التعريفة الجمركية
وفقاً لمازن علوش، مدير الهيئة العامة للموانئ البرية والبحرية، تهدف التعريفة الجديدة إلى دعم الإنتاج المحلي، جذب الاستثمارات، وتعزيز الاقتصاد. وأوضح علوش أن التعريفات تشمل تخفيض الرسوم على المواد الخام الأساسية للصناعة والزراعة، مع التركيز على تحقيق نمو اقتصادي طويل الأجل وخلق فرص عمل.
وقال علوش: “هذه خطوة محورية لدعم المنتجات المحلية وتقليل الاعتماد على الواردات.” وتشمل التعريفات أيضاً حوافز لجذب الاستثمارات بهدف إعادة بناء الصناعات والزراعة التي دمرتها الحرب، وتحقيق استقرار الاقتصاد الوطني بعد سنوات من الدمار تحت حكم نظام الأسد.
التأثير على الأسواق في شمال سوريا
في شمال سوريا، كانت التأثيرات الفورية لهذه التعريفات واضحة. أفاد تجار وأصحاب محلات في مدن مثل أعزاز، سرمدا، وإدلب بارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية، مما تسبب في فوضى في الأسواق. ارتفعت تكلفة استيراد السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والطاقة، بنسبة تتراوح بين 300% و600%.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت الرسوم الجمركية على الأرز من 10 دولارات إلى 50 دولاراً للطن، وزادت رسوم البنزين من 30 دولاراً إلى 210 دولارات لكل 1000 لتر. وأشار التجار إلى أنهم غير قادرين على التعامل مع الزيادة المفاجئة في التكاليف، مما دفع العديد منهم إلى إغلاق أعمالهم مؤقتاً.
وقال أبو صبحي، تاجر مواد غذائية في سرمدا: “التجار غير قادرين على التخطيط أو التكيف بسرعة. كان يجب تنفيذ هذا القرار تدريجياً.”
في المخيمات شمال سوريا، التي تعاني بالفعل من أوضاع اقتصادية قاسية، كانت الأعباء أشد وطأة. وقال أبو هشام، أحد مدراء المخيمات في أعزاز: “الزيادات في الأسعار تعني أن العائلات ستضطر إلى تقليص احتياجاتها الأساسية.”
آراء متباينة في أنحاء سوريا
بينما يعبر التجار والمقيمون في الشمال عن استيائهم، أشار مسؤولون إلى أن توحيد التعريفات قوبل بترحيب في أجزاء أخرى من سوريا. وقال ممثل عن الحكومة السورية المؤقتة لموقع “ليفانت 24″:”
الرسوم الجديدة أقل بأكثر من 100% من الرسوم المفروضة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام سابقاً، وهي تأخذ في الاعتبار الواقع الصناعي والزراعي المحلي. التجار في شمال سوريا يشتكون من الرسوم المنخفضة التي اعتادوا عليها، بينما تستفيد باقي سوريا من هذا التوحيد.”
وأشار المسؤول إلى أن التفاوت السابق بين الأنظمة الجمركية في مناطق مثل باب الهوى وباب السلامة خلق ظروفاً غير متساوية للتجار، مما استدعى الحاجة إلى الإصلاح.
تحقيق التوازن بين الاستقرار والنمو الاقتصادي
دافعت الحكومة السورية الانتقالية عن التعريفات باعتبارها ضرورية لمعالجة العجز الكبير في الميزانية بسبب انهيار عائدات النفط السورية والدخل الزراعي المحدود. وأكد الباحث الاقتصادي رضوان الدبس أن هذه الإصلاحات ستساعد في حماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية ومنع إغلاق الورش الصناعية.
وقال الدبس: “الجمارك أساسية لدعم الخزانة. هذه خطوة نحو بناء اقتصاد مستقل.”
ومع ذلك، حذر آخرون، مثل المحلل الاقتصادي حيان حبابة، من أن رفع الرسوم الجمركية على السلع الأساسية يؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفاً. وقال حبابة: “كان ينبغي على الحكومة استثناء السلع الأساسية وتنفيذ التعريفات تدريجياً.” وأضاف أن الاقتصاد الشمالي، الذي يعتمد على الواردات، معرض بشكل خاص للخطر.
اقتراحات للتعديل
أقرت الحكومة السورية الانتقالية بالتحديات وأشارت إلى احتمالية إجراء تعديلات، تشمل تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأساسية مثل الوقود والدقيق، بالإضافة إلى إنشاء لجان رقابية لمتابعة الأسعار في الأسواق ومنع الاستغلال.
وشدد الباحث الاقتصادي فراس شابو على ضرورة الحذر: “الرسوم الجمركية المرتفعة قد تؤدي إلى تفاقم البيئة الاقتصادية الهشة بالفعل. النهج التدريجي كان سيسمح للأسواق بالتكيف مع الحفاظ على الفئات الأكثر ضعفاً.”
النظرة المستقبلية
تعتبر الحكومة السورية الانتقالية إصلاح التعريفة الجمركية خطوة أولى ضمن استراتيجية اقتصادية أوسع لإعادة بناء القاعدة الصناعية والزراعية في سوريا وتوحيد الأنظمة الاقتصادية المتصدعة في البلاد. ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسة يعتمد على قدرة الحكومة على إدارة الاضطرابات السوقية ومعالجة المصاعب الفورية التي يواجهها سكان الشمال السوري.
بينما تكافح البلاد مع إعادة الإعمار بعد الحرب، تسلط قرارات الحكومة السورية الضوء على التوازن الدقيق بين تنفيذ سياسات تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل والتخفيف من التأثيرات الفورية على الشعب. وحتى الآن، لا تزال الأسواق السورية في حالة من التقلب، حيث يترقب التجار والمستهلكون والمسؤولون ما إذا كانت الإصلاحات ستفي بوعودها.