
أعلنت القيادة السورية الجديدة رسميا انتصارها على نظام الأسد خلال مؤتمر النصر التاريخي الذي عقد في قصر الشعب في دمشق يوم الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني. وشكل هذا الحدث، الذي حضره كبار القادة العسكريين والسياسيين، بداية مرحلة انتقالية تهدف إلى إعادة بناء البلاد التي مزقتها الحرب وإعادة تحديد مستقبلها.
وفي قرار تاريخي، أعلنت إدارة العمليات العسكرية، التي قادت الهجوم النهائي ضد قوات الأسد، تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً للجمهورية العربية السورية. وشهد المؤتمر أيضاً حل الجيش السوري السابق، والأجهزة الأمنية، وجميع الفصائل الثورية، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، مع خطط لدمجها في مؤسسات الدولة المشكلة حديثاً.
أكد القائد العسكري سالم العنتري أن إرادة الشعب السوري انتصرت، وعلينا جميعاً أن نعمل لبناء سوريا بنفس العزيمة التي عملنا بها على تحريرها.
الشرع: النصر بداية نضال جديد
ألقى أحمد الشرع، الرئيس الجديد لسوريا، خطاب النصر الذي حدد فيه الأولويات العاجلة للبلاد، مؤكداً على ضرورة ملء الفراغ في السلطة، والحفاظ على السلم الأهلي، وبناء مؤسسات الدولة، وإنشاء بنية اقتصادية مستدامة، واستعادة مكانة سوريا الإقليمية والدولية.
وتحدث الشرع عن أهمية نجاح الثورة، وتأمل في محنة دمشق في السنوات الأخيرة، واصفاً إياها بـ “الأم المخلصة الجريحة التي تدعو أبناءها لإنقاذ وطنهم”، وأشاد بصمود الشعب السوري، وأكد أن انتصاره لم يكن انتصاراً عسكرياً فحسب، بل تحقق بالرحمة والعدل والإحسان.
وأوضح الشرع أن مسؤولية النصر جسيمة، وأن سوريا تحتاج الآن إلى جهد مماثل لجهد التحرير لإعادة بناء البلاد وتنميتها، وأعرب العديد من القادة العسكريين ورؤساء الفصائل السابقين عن دعمهم لقيادته.
أهم القرارات الصادرة عن مؤتمر النصر
خلال المؤتمر، أعلن المتحدث باسم إدارة العمليات العسكرية العقيد حسن عبد الغني عن عدة قرارات رئيسية من شأنها أن تشكل المرحلة الانتقالية في سوريا. ومن بينها تعليق العمل بدستور عام 2012 وتشكيل لجنة دستورية مكلفة بصياغة إطار جديد للحكم. بالإضافة إلى ذلك، تم حل الجيش السوري وقوات الأمن المرتبطة بالنظام السابق رسميًا، مع وضع خطط لإنشاء جيش وطني جديد.
وشهدت عملية إعادة الهيكلة حل جميع الفصائل الثورية، ودمج أعضائها في مؤسسات الدولة. كما تم حل حزب البعث الحاكم والمنظمات التابعة له، واستعادت الدولة أصولها. وتم حل مجلس الشعب، الهيئة التشريعية السابقة في سوريا، وتم إعلان يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول، تاريخ سقوط نظام الأسد، عطلة وطنية لإحياء ذكرى تحرير سوريا.
وأكد القادة العسكريون التزامهم بدعم المرحلة الانتقالية، حيث أكد القائد العسكري عصام بويضاني أن الجهود لتحرير ما تبقى من سوريا يجب أن تستمر، فيما أكد أحمد الهايس أن الثورة لن تكتمل إلا بتأسيس سوريا حرة ومستقلة بشكل كامل.
القيادة العسكرية الموحدة وإصلاحات الأمن الوطني
شكل المؤتمر نقطة تحول في المشهد العسكري السوري، حيث أكد وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة أن كافة الهيئات العسكرية وافقت على الاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع.
وأكد عدد من القادة العسكريين أن الوحدة ستكون الأساس لجهود إعادة بناء سوريا. ودعا القائد العسكري أحمد عيسى الشيخ إلى التضامن والتعاطف مع دخول البلاد هذه المرحلة الجديدة، في حين أشار القائد العسكري عامر الشيخ إلى أنه كما لعبت الاعتصامات الثورية دوراً فعالاً في تحرير سوريا، فإنها ستكون أيضاً مفتاحاً لإعادة إعمارها.
الطريق نحو المؤتمر الوطني
أكد المشاركون في المؤتمر أن بناء سوريا الجديدة يتطلب العمل الفوري والتخطيط الطويل الأمد، وبالتالي فإن هناك حاجة إلى حكومة انتقالية للإشراف على شؤون البلاد وتنفيذ السياسات المحلية والدولية الرئيسية وضمان الاستقرار.
ويمنح تعيين الشرع سوريا ممثلاً معترفاً به على الساحة الدولية، مما يسمح للبلاد بممارسة الدبلوماسية، والمشاركة في المناقشات الإقليمية والعالمية، وإدارة شؤون الدولة بشكل فعال. وأشار قادة المؤتمر إلى أن هذا ليس منصباً دائماً بل دور مؤقت لتوجيه سوريا خلال هذه الفترة الحساسة إلى أن يتم عقد المؤتمر الوطني وتأسيس هيكل الحكم الجديد في البلاد رسمياً.
وعلى الرغم من الحاجة الملحة إلى الحكم الرشيد، فإن تشكيل مؤتمر وطني شامل يظل يشكل أولوية قصوى. وسوف يتولى المؤتمر مسؤولية اختيار الممثلين لصياغة الدستور الجديد، الذي سوف يحدد كيفية عمل مؤسسات الدولة وكيفية اختيار المسؤولين، بما في ذلك الرؤساء في المستقبل. وسوف تكون العملية شاملة وشفافة، بما يضمن أن تعكس الحكومة المستقبلية إرادة الشعب وليس إملاءات أي مجموعة منفردة.
قيادة سوريا إلى “مستقبل جديد”
مع تبلور أسس الحكومة الجديدة، يدرك أولئك الذين قاتلوا من أجل هذه اللحظة حجم مسؤوليتهم في تشكيل مسار سوريا إلى الأمام. وقال القائد العسكري سيف أبو بكر: “لم يولد هذا النصر وليد اللحظة، بل هو نتيجة لإصرار لا يتزعزع وتضحيات عظيمة قدمها الشعب السوري. والآن، نتحمل مسؤولية قيادة سوريا إلى مستقبل جديد”.
وبعد الإعلان عن تولي الشرع رئاسة البلاد، خرج آلاف السوريين إلى الشوارع في مختلف أنحاء البلاد احتفالاً بنجاح الثورة. ومع انتقال سوريا إلى مرحلتها الانتقالية، تظل التحديات التي تنتظرها هائلة.