
في أول خطاب رسمي له كرئيس للجمهورية العربية السورية، وضع أحمد الشرع رؤية لمستقبل سوريا، مؤكداً على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي وإعادة البناء الاقتصادي مع الاعتراف بالتضحيات التي قدمها السوريون داخل وخارج البلاد. وقد حظي خطابه، الذي ألقاه من قصر الشعب في دمشق، بإشادة واسعة النطاق بسبب نبرته الشاملة واعترافه بالجهود الجماعية التي أدت إلى التحول التاريخي في البلاد.
رسالة شاملة وموحدة
في حديثه المباشر إلى “جميع الرجال والنساء السوريين”، أقر الشرع بمثابرة الشعب السوري ومساهماته طوال الثورة. وأشاد بالمعتقلين والمختفين وأولئك الذين فقدوا أرواحهم في النضال ضد النظام السابق.
وقال الشرع: “لقد تحررت سوريا بالشهداء والمعتقلين والمعذبين والمفقودين وجميع أمهاتهم المفجوعات وأسرهم الحزينة”. كما أشاد بدور المتظاهرين والسجناء والناشطين، معترفاً بأن الثورة بدأت باحتجاجات سلمية قبل أن تتطور إلى نضال أوسع. “هذا النصر انطلق من حناجر المتظاهرين وهتافات المحتجين في الساحات والميادين… واستمر بتضحيات الثوار الذين حرروا أرض سورية رغم سنوات من المعاناة من الصواريخ والبراميل والأسلحة الكيماوية”.
خارطة طريق للمرحلة الانتقالية
حدد الشرع عدة أولويات رئيسية للحكومة الانتقالية، وأكد على ضرورة السلم الأهلي والعدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوري مع ضمان المصالحة الوطنية. وشدد على أنه يجب الحفاظ على السيادة الكاملة على كل الأراضي السورية من خلال توحيد الحكم وإنهاء الانقسامات المدعومة من الخارج داخل البلاد.
كما قال إن إنشاء مؤسسات دولة قوية وشفافة وخالية من الفساد والمحسوبية واقتصاد منتعش يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية مع تحسين ظروف المعيشة أمر حيوي لمستقبل الأمة.
أعلن الشرع عن تشكيل لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، وهي خطوة نحو عملية صياغة دستورية تحدد هيكل الحكم في سوريا على المدى الطويل. وقال: “معاً سنبني سوريا المستقبل”، داعياً جميع السوريين، سواء داخل البلاد أو في المهجر، إلى المشاركة في إعادة بناء الأمة.
ردود الفعل الإقليمية
لقي خطاب الشرع ردود فعل واسعة النطاق من الفصائل السياسية السورية والزعماء الإقليميين والمنظمات الدولية. ورحب الائتلاف الوطني السوري وهيئة المفاوضات السورية بخطابه ورئاسته. وأشاد زعيم الائتلاف هادي البحرة بخطابه ووصفه بأنه “لحظة تاريخية” ودعا إلى “دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات”. وكررت هيئة المفاوضات هذه المشاعر، حيث أعرب رئيسها بدر جاموس عن أمله في أن تضع الفترة الانتقالية الأساس لـ “دولة العدالة والحرية والديمقراطية”.
كما قدمت القيادة المسيحية في سوريا التهاني. حيث أصدر بطاركة الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروم الملكيين الكاثوليك في أنطاكية بيانًا مشتركًا أشادوا فيه بالخطاب باعتباره “فصلًا جديدًا من الأمن والحرية والكرامة لجميع السوريين”.
ردود الفعل الدولية
اتخذت الأمم المتحدة موقفًا محايدًا، حيث صرحت بأنها “ليست في وضع يسمح لها بالاعتراف” بالقيادة السورية الجديدة ولكنها أكدت على أهمية المرحلة الانتقالية والحاجة إلى عملية سياسية بقيادة سورية بما يتماشى مع قرار الأمم المتحدة رقم 2254.
كان الاتحاد الأوروبي أكثر ترحيبًا، حيث وصف المتحدث باسمه لويس بوينو تصريحات الشرع بشأن الانتقال السياسي بأنها “مهمة” ومتماشية مع “تطلعات الشعب السوري”. كما أكد مسؤولون من الاتحاد الأوروبي إجراء مناقشات مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بشأن الأمن وتخفيف العقوبات.
وأصدرت الولايات المتحدة بياناً حذراً، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية إن واشنطن “تراقب التطورات الأخيرة” مع التأكيد على الحاجة إلى منع سوريا من أن تصبح قاعدة للإرهاب الدولي.
وفي الوقت نفسه، صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن طهران “ستدعم أي حكومة يدعمها الشعب السوري”، على الرغم من أن التصريحات السابقة للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أشارت إلى عدم الارتياح إزاء التحول في القيادة السورية.
الدعم العربي لرئاسة الشرع
أعربت العديد من الدول العربية عن دعمها القوي لرئاسة الشرع. وأرسل زعماء من الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين واليمن رسائل تهنئة، وكذلك فعل الملك الأردني عبد الله الثاني والسلطان العماني هيثم بن طارق.
وفي إنجاز دبلوماسي كبير، سافر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني إلى دمشق في زيارة رسمية للدولة السورية، مسجلاً بذلك أول زيارة من نوعها لرئيس دولة عربية منذ سقوط النظام السابق. وأشاد الأمير بجهود القيادة الجديدة نحو الاستقرار وتعهد بدعم قطر المستمر لتنمية سوريا وإعادة إعمارها.
كما هنأ العاهل السعودي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان الشرع، مؤكدين التزام الرياض بوحدة سوريا وأمنها. وبالمثل، قدم الرئيس المصري السيسي أطيب التمنيات، مسلطًا الضوء على الآمال في التقدم والازدهار في ظل الحكومة الانتقالية. كما بعث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برسالة تهنئة خاصة به، مؤكدًا على العلاقات التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والسوري.