
يشهد الدور الروسي الطويل الأمد في سوريا تغيرات كبيرة في أعقاب الإطاحة بالدكتاتور السابق بشار الأسد، حيث يسعى الكرملين إلى الحفاظ على النفوذ أثناء التعامل مع الواقع الجديد لسوريا ما بعد الأسد. وقد أبرزت التطورات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة التحول في العلاقات الروسية السورية، حيث تحاول موسكو إعادة تعريف مشاركتها مع الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
بوغدانوف يشير إلى موقف روسيا بشأن مستقبل سوريا
أكد ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، التزام موسكو بدعم سوريا لكنه أقر بالمسار غير المؤكد للبلاد. وفي مقابلة مع صحيفة إزفستيا الروسية، صرح بوغدانوف، “تمر سوريا بفترة صعبة اليوم، ونأمل أن يتمكن شعبها من التغلب بنجاح على العديد من الصعوبات التي جاءت نتيجة للأزمة المطولة في البلاد”.
وأكد استعداد روسيا لمواصلة تقديم “المساعدة الضرورية” للشعب السوري، مشيرا إلى أن العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على “الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح كل منهما”.
تأتي تصريحات بوغدانوف في أعقاب اجتماع بين الرئيس الشرع ووفد روسي في دمشق، حيث ورد أن الإدارة السورية دعت إلى إعادة تعريف العلاقات الثنائية التي تعترف برغبة الشعب السوري في السيادة. ووفقا لمصادر نقلتها رويترز، طلب الشرع من موسكو تسليم الأسد وشخصيات رئيسية من نظامه، وهي القضية التي ظل الكرملين صامتا بشأنها.
المواجهة العسكرية: قوات الدفاع السورية توقف قافلة روسية
على الرغم من المبادرات الدبلوماسية، ظهرت التوترات بين القوات الروسية والجيش السوري عندما مُنعت قافلة روسية تحمل صواريخ من الوصول إلى قاعدة عسكرية في طرطوس. كانت القافلة، التي تتألف من 30 مركبة، قد غادرت قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، لكن القوات السورية أوقفتها لمدة ثماني ساعات عند نقطة تفتيش قبل أن تُجبر على العودة إلى حميميم.
يشير هذا العرض العام النادر للمقاومة السورية للتحركات العسكرية الروسية إلى جهود الحكومة الانتقالية لتأكيد سيادتها وإعادة ضبط وجود الجهات العسكرية الأجنبية. كانت موسكو قد أعادت تموضع قواتها في سوريا بعد سقوط الأسد، وعززت قواتها في حميميم وقلصت من انتشارها في جميع أنحاء المحافظات السورية.
مستقبل العلاقات الروسية السورية غير مؤكد
مع تعديل موسكو لمشاركتها مع سوريا، أشار الكرملين إلى نهج حذر تجاه الحكومة الحالية. ووصف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الزيارة الدبلوماسية الأخيرة إلى دمشق بأنها “اتصال مهم”، مؤكداً على رغبة روسيا في “الحفاظ على حوار مستمر مع الإدارة السورية”.
ومع ذلك، لا يزال مصير المنشآت العسكرية الروسية في سوريا – وخاصة في طرطوس واللاذقية – غير مؤكد. وقد صرح الرئيس الشرع بأن أي اتفاقات مستقبلية مع موسكو لابد وأن تتوافق مع “المصالح السورية”، وهو ما يعزز نية الحكومة الانتقالية إعادة تقييم الترتيبات السابقة التي تم التوصل إليها في ظل حكم الأسد.
ومع تأكيد القيادة السورية الجديدة على سلطتها، يتعين على روسيا الآن أن تبحر في مشهد سياسي مختلف تماما ــ حيث يتم إعادة النظر في نفوذها الذي لم يكن موضع شك من قبل. وسوف تحدد الأشهر المقبلة ما إذا كانت موسكو قادرة على التكيف مع حقائق سوريا ما بعد الأسد أم أن التوترات، سواء العسكرية أو الدبلوماسية، سوف تستمر في الظهور على السطح.