
لأول مرة منذ سقوط نظام الأسد، خرج السوريون في جميع أنحاء البلاد يوم السبت للاحتفال بالذكرى الرابعة عشرة للثورة السورية، في لحظة تاريخية ضمن مسيرة التحول التي تشهدها البلاد. في مدن لطالما أصمتها القمع، امتلأت الساحات العامة بالحشود التي تلوّح بأعلام الثورة، وتهتف للحرية، وتكرّم تضحيات من ناضلوا من أجل تحرير سوريا.
انتصار طال انتظاره
تأتي هذه الذكرى بعد أشهر فقط من الإطاحة ببشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، عندما سيطرت القوات الثورية على دمشق، منهيةً 53 عامًا من حكم عائلة الأسد. ومنذ ذلك الحين، تعمل الحكومة الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، على تفكيك بقايا النظام السابق، بما في ذلك حل حزب البعث وصياغة دستور جديد.
وفي بيان نشره على منصة “إكس”، قال وزير الخارجية أسعد الشيباني: “سنظل مدينين للصيحة الأولى للحرية التي انطلقت من درعا، مهد الثورة السورية، وامتدت إلى جميع المدن. سنواصل العمل حتى يعيش جميع السوريين، بمختلف انتماءاتهم، في حرية وكرامة.”
من جهته، عبّر وزير الدفاع مرهف أبو قصرة عن مشاعره، مستذكرًا المعاناة التي مر بها السوريون على مدى 14 عامًا. وقال: “تحمل السوريون القتل والتهجير والاعتقال، حتى جاء النصر العظيم.”
المدن تستعيد ساحاتها العامة للاحتفال
في دمشق، ألقت المروحيات—التي كانت يومًا تمطر السوريين بالقنابل—الورود فوق ساحة الأمويين، حيث احتشد الآلاف في احتفال ليلي. وأعلنت محافظة دمشق تمديد الاحتفالات، داعيةً الجمهور إلى المشاركة في الفعاليات المسائية.
وفي ساحة سعد الله الجابري وسط حلب، التي كانت رمزًا لقمع نظام الأسد، امتلأت الساحة بالمحتفلين وهم يرددون شعار: “جينا عَ سعد الله… والله جينا”، وهو الهتاف الذي ردده المتظاهرون في الأيام الأولى للثورة عندما كانت المنطقة تحت سيطرة مشددة من قوات الأسد. ووقف الناشط الثوري إسماعيل الرج في الساحة، متأملًا اللحظة، وقال: “الحمد لله، وفّينا بالقسم الذي قطعناه قبل 14 عامًا.”
كما شهدت مدن رئيسية أخرى، مثل إدلب، وحمص، وحماة، واللاذقية، احتفالات جماهيرية ضخمة، حيث خرج الناس إلى الشوارع ينشدون الأناشيد الثورية ويرفعون لافتات الثورة.
وفي السويداء، شهدت المظاهرات مزيجًا من المشاعر، حيث احتفل المشاركون بنجاح الثورة، لكنهم عبّروا عن مخاوفهم بشأن الحكومة الحالية. ورفع المحتجون لافتات تندد بالاستبداد بجميع أشكاله، داعين إلى سوريا خالية من أي نفوذ أجنبي.
عهد جديد لسوريا
بالنسبة للكثيرين، لا تمثل هذه الذكرى مجرد احتفال رمزي، بل هي نقطة تحول. فبعد سنوات من النزوح، بدأ السوريون في العودة إلى وطنهم. يحيى سيد عيسى، الذي لجأ إلى ألمانيا قبل عقد من الزمن، عبّر عن مشاعره عند عودته إلى سوريا قائلًا: “فقدت الأمل في العودة يومًا ما. لكنني الآن أقف هنا في إدلب، بين أهلي، أحتفل ليس فقط بذكرى الثورة، بل بانتصار كنا نظنه مستحيلًا.”