
مع دخول سوريا مرحلة جديدة عقب الإطاحة بحكم الديكتاتور بشار الأسد، تتحرك روسيا بسرعة للحفاظ على موطئ قدمها الاستراتيجي في البلاد، مزيجاً بين دبلوماسية الطاقة، والبراغماتية العسكرية، والانخراط السياسي الحذر.
الأسد “خارج المعادلة”
اجتمع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن الأسبوع الماضي، مؤكدًا دعم موسكو لانتقال سياسي يضمن سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان صدر الجمعة، أن المحادثات ركزت على تقديم الدعم الدولي لجهود بيدرسن في استقرار المنطقة.
لكن مقاربة روسيا تتشكل بقدر ما بدافع الضرورة كما هي بدافع الدبلوماسية. فبعد هزيمة الأسد على يد القوى الثورية في ديسمبر 2024، فقدت موسكو حليفها السياسي الرئيسي في سوريا. ويقيم الأسد حاليًا في موسكو تحت قيود صارمة، حيث يُمنع من أي نشاط سياسي أو إعلامي، وفقًا لسفير روسيا في العراق. ويُقال إن تسليمه غير مطروح للنقاش.
وقال دبلوماسي روسي لصحيفة The Moscow Times إن “تسليمه سيضر بمكانة بوتين”، ما يعكس التوتر الداخلي بين الضرورة الاستراتيجية وصورة روسيا العامة.
دبلوماسية الطاقة
رغم أن الكرملين لم يعترف رسميًا بالقيادة السورية الجديدة، إلا أنه بدأ تعاونًا هادئًا معها. فقد استؤنفت شحنات النفط والغاز من روسيا في فبراير بأوامر مباشرة من الرئيس فلاديمير بوتين. وسلّمت سلسلة من الناقلات الخاضعة للعقوبات — بما فيها “سكينة” و”أكواتيكا” و”بروسبيريتي” — أكثر من 230,000 طن من النفط والديزل إلى الموانئ السورية في مارس، بحسب مواقع تتبع السفن ووكالة رويترز.
وتهدف هذه الشحنات إلى التخفيف من أزمة الوقود الحادة التي تعاني منها سوريا منذ توقف الشحنات الإيرانية بعد سقوط الأسد. وعلى الرغم من العقوبات، تحركت روسيا سريعًا لملء هذا الفراغ، مكتسبةً بذلك حسن نية ونفوذًا لدى الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
القواعد العسكرية في صلب المفاوضات
بعث بوتين برسالة إلى الشرع أعرب فيها عن دعمه لوحدة سوريا، ووعد بـ”تعاون عملي”، وفقًا للمتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف. كما استأنفت روسيا شحنات العملة السورية، وقدمت مساعدات إنسانية وبنى تحتية مقابل الحفاظ على إمكانية الوصول إلى قواعدها العسكرية.
تشير مناقشات في موسكو إلى احتمال تقليص الوجود العسكري الروسي، ربما عبر الاحتفاظ فقط بقاعدة طرطوس البحرية، والتفاوض بشأن وضع قاعدة حميميم الجوية. فبالنسبة لروسيا، الهدف الآن هو البقاء دون إثارة المزيد من العداء. وقال خبير شؤون الشرق الأوسط، رسلان سليمانوف، لصحيفة The Moscow Times إن “ما يمكن لروسيا تقديمه بالمقابل لا يزال سؤالاً مفتوحًا”.
ورغم الفوضى، تبدو موسكو مصمّمة على الحفاظ على موقعها، معوّلة على الوقود، والدبلوماسية، والواقعية السياسية لتظل فاعلة في سوريا ما بعد الأسد.