
في أول مقابلة رئيسية له منذ توليه الرئاسة، دعا الرئيس السوري أحمد الشرع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ سنوات، مشيراً في الوقت ذاته إلى احتمال إعادة تنظيم العلاقات العسكرية مع كل من روسيا وتركيا.
سوريا تعاني تحت وطأة العقوبات
وفي حديثه لصحيفة نيويورك تايمز من قصر الرئاسة في دمشق، أوضح الرئيس الشرع حاجة بلاده الماسة إلى المساعدات الخارجية، والدعم العسكري، والاعتراف السياسي، عقب انهيار حكم بشار الأسد الذي دام لعقود. وقال: “تم فرض العقوبات رداً على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق ضد الشعب. الآن، هذا النظام قد انتهى”.
ويؤكد الشرع أن الوقت قد حان لإنهاء العقوبات، إلا أن العقوبات الأمريكية والأوروبية لا تزال تشل الاقتصاد السوري، رغم الاستثناءات المؤقتة للمساعدات الإنسانية. ويرى أن رفعها هو المفتاح لإعادة بناء المؤسسات العامة ودفع رواتب موظفي الدولة. وفي الأسابيع الأخيرة، قام بجولات إلى دول الخليج لتأمين تمويل، حيث عرضت قطر دعماً مالياً محدوداً—مشروطاً بموقف واضح من واشنطن.
توازن بين الشرق والغرب
منذ توليه السلطة، سعى الشرع إلى التفاوض على أسس جديدة مع موسكو وأنقرة، وكلاهما يحتفظ بقوات عسكرية على الأراضي السورية. ورغم إلغاء الاتفاقات الموقعة في عهد الأسد، لا تزال سوريا تحتفظ بشراكات عسكرية وسياسية تحترم سيادتها. وقال: “تركيا لها وجود عسكري في سوريا، وروسيا كذلك. نحن نطوّر اتفاقيات جديدة”.
وأشار إلى احتمال إبرام صفقات سلاح جديدة مع روسيا، نظراً لدورها التاريخي كمزود رئيسي للأسلحة السورية. وأضاف: “روسيا عضو دائم في مجلس الأمن. تسليح الجيش السوري بالكامل روسي، وعلينا مراعاة هذه المصالح”.
ورغم أن الكرملين رفض طلب دمشق بتسليم الأسد، شدد الشرع على استمرار التعاون مع موسكو، مستنداً إلى عقود من الشراكة في مجالي التسليح والطاقة.
سلام هشّ ومخاوف من “الأجانب”
قدّمت الولايات المتحدة لائحة مطالب إلى سوريا، من بينها تفكيك مخزون الأسلحة الكيميائية وإبعاد “المقاتلين الأجانب” عن مواقع القرار في الدولة. وطرح الشرع فكرة منح الجنسية للمقاتلين الأجانب المقيمين منذ فترة طويلة والذين “وقفوا إلى جانب الثورة”، وهي خطوة من المرجح أن تزيد من قلق الغرب بشأن توجه سوريا المستقبلي.
لكن الشرع كان واضحاً في تأكيده أن نجاح سوريا وأمنها يصب في مصلحة الجميع. وقال: “أي فوضى في سوريا ستلحق الأذى ليس فقط بدول الجوار، بل بالعالم بأسره”. وأضاف: “أبلغنا جميع الأطراف أن الوجود العسكري يجب أن يكون ضمن إطار قانوني سوري”، مشدداً على أن سوريا الجديدة لن تسمح بأن تُستخدم أراضيها لتهديد دول أخرى.
الوضع الداخلي المضطرب
لا تزال الحكومة السورية تحت ضغط لتوحيد السيطرة على ائتلاف من الفصائل المتباينة. ففي مارس، أظهرت أحداث الفوضى في الساحل مدى هشاشة الاستقرار، حيث شنت فصائل متعددة هجمات على مجتمعات علوية موالية للنظام السابق. وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 1,562 شخصاً خلال تلك الاضطرابات.
ورغم تعهد الشرع بالمحاسبة، وإنشائه لجنة تحقيق في الأحداث، فقد كشفت أعمال العنف عن هشاشة الجيش الوطني الانتقالي، وحدود السيطرة في بلد يعج بالأسلحة والفصائل العسكرية. وقال: “سيستغرق بناء جيش عنده قدرات لبعض الوقت. وهذا بحد ذاته تحدٍّ هائل”.