
في حي بابا عمرو بمدينة حمص السورية، تُعدّ إعادة بناء النظام التعليمي أمرًا ضروريًا بقدر أهمية ترميم المنازل والشوارع. قبل اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كان سكان بابا عمرو، البالغ عددهم 100,000 نسمة، يعتمدون على نحو 20 مدرسة تعمل بنظام دوام واحد. أما اليوم، ومع عودة العائلات تدريجيًا، أصبحت الحاجة ماسة لتجديد وتوسيع المنشآت التعليمية. وهذا مجرد مثال واحد من بين العديد من المجتمعات السورية التي تواجه ضرورة إحياء نظام تعليمي أرهقته أكثر من عشر سنوات من الحرب.
طريق التعافي
قال فيصل زعيب، موظف سابق في مديرية التربية وأحد الشخصيات البارزة في بابا عمرو، لصحيفة العربي الجديد، إن المدارس في الحي، والتي بُنيت بجهود مجتمعية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، تعرضت لأضرار جسيمة خلال الصراع.
وأشار إلى أن منظمات الأمم المتحدة رمّمت سبع مدارس في بداية عملية التعافي، لكن تدفق العائلات العائدة يتطلب إجراءات إضافية. وقال زعيب: “نتابع المسألة مع وزارة التربية ومديرية التربية لتهيئة الظروف المناسبة لاستمرار العملية التعليمية”.
الدعم المجتمعي والدولي
رغم محدودية الموارد، يتخذ السكان المحليون زمام المبادرة. فقد بدأت بعض التحسينات تظهر، رغم استمرار مشاكل مثل نقص المياه واللوازم الأساسية. وساعدت جهود جمع التبرعات المجتمعية في سد بعض الفجوات، بتوفير المواد المدرسية الأساسية وتهيئة بيئة تعليمية أكثر استقرارًا للطلاب العائدين.
كما بدأت الوكالات الدولية تقديم الدعم. حيث التقى وزير التربية الدكتور محمد عبد الرحمن تركو مؤخرًا بمسؤولين من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة اليونيسف، لبحث توسيع التعاون في إعادة بناء قطاع التعليم السوري. وأقرّ تركو بأن العقوبات الاقتصادية تبطئ وتيرة التقدم، لكنه جدد التزام سوريا باتفاقية حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة. في المقابل، تعهدت الأونروا بمواصلة دعمها، لا سيما للأطفال النازحين، من خلال مبادرات مثل بناء المدارس وتدريب المعلمين.
تحديات مستمرة في عموم سوريا
لا يزال النظام التعليمي السوري الأوسع يواجه تحديات هائلة. ووفقًا لمحمد حنون، مدير الأبنية المدرسية في وزارة التربية، فإن نحو 8,000 مدرسة لا تزال خارج الخدمة بسبب الدمار الذي خلّفته الحرب وأضرار الزلازل.
ورغم ترميم حوالي 70 مدرسة، إلا أن الكثير من العمل لا يزال مطلوبًا. وأوضح حنون أن دراسات هندسية جارية لإعادة بناء المدارس وفق معايير دولية حديثة، لضمان بيئة أكثر أمانًا للطلاب. ولا تزال بعض المدارس تفتقر لأبسط الضروريات مثل النوافذ والأبواب والمقاعد.
أمل بمستقبل أكثر إشراقًا
كما تُبذل جهود في شمال شرق سوريا، حيث تعمل الحكومة المركزية في دمشق مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومنظمة اليونيسف لضمان استمرار تعليم الطلاب في جميع أنحاء البلاد دون انقطاع. وبعد مفاوضات جرت في دمشق مطلع الشهر الجاري، تم التوصل إلى اتفاقات لتمديد مهل التسجيل وتسهيل تنظيم الامتحانات المحلية، وفقًا لبيان صادر عن هيئة التربية والتعليم.
ورغم العقبات الكبيرة، فإن إعادة افتتاح وترميم المدارس تدريجيًا في جميع أنحاء سوريا، إلى جانب صمود المجتمع المحلي ودعم المجتمع الدولي، يوفر أملاً حذرًا ولكنه حقيقي لجيل جديد يتوق إلى التعلم.