
عند مدخل مخيم اليرموك، الذي مزقته الحرب جنوب دمشق، نُظمت وقفة احتجاجية صامتة تحت راية الألم والإصرار. أقام أهالي المختفين قسريًا في سوريا “خيمة الحقيقة”، وهي منشأة رمزية تطالب بالعدالة وكشف مصير الآلاف من المعتقلين والمختفين خلال عهد النظام الاستبدادي السابق بقيادة الأسد. امتلأت الخيمة بصور المفقودين، ورسائل مكتوبة بخط اليد، وشعارات تطالب بالمحاسبة.
نُظمت الوقفة من قبل عائلات من اليرموك والمناطق المحيطة، بهدف تحويل الحزن الشخصي إلى فعل جماعي. وجاء في الدعوة التي تم توزيعها قبل الحدث: “ليكن هذا اللقاء مساحة لمشاركة القصص وتأكيد حقنا في معرفة مصيرهم”. انضم نشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان وعائلات المعتقلين الفلسطينيين والسوريين إلى هذا التجمع لإيصال رسالة مفادها أن الحقيقة يجب ألا تُدفن مع الماضي.
بداية محاسبة هشّة
منذ سقوط النظام، قامت إدارة الأمن العام في وزارة الداخلية باعتقال عدد من شخصيات النظام السابق المتهمين بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك اللواء عساف عيسى النيساني وتيسير محفوظ، وكلاهما مرتبط بحالات إخفاء قسري وتعذيب. ومع ذلك، فإن التناقضات المزعومة في عمليات الاعتقال والإفراج المثير للجدل عن بعض الضباط المتورطين في جرائم موثقة أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا.
قال الخبير القانوني غزوان قرنفل لصحيفة “العربي الجديد” إن الاعتقالات وحدها غير كافية. وأضاف: “عندما تقرر السلطة تشكيل محكمة خاصة للنظر في هذه الجرائم، يجب أن يمثل هؤلاء أمامها”، لكنه حذر من أن غياب إطار قانوني واضح قد يؤدي إلى تسييس القضية أو انتقائية في العدالة.
العدالة الانتقالية تفتقر إلى التنظيم
رغم بعض الاعتقالات المتفرقة، لم تُنشئ القيادة الجديدة في سوريا بعد هيئة مخصصة للعدالة الانتقالية. ووفقًا للشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، فإن هناك حاجة ملحة لمثل هذه الهيئة. ففي تقرير حديث، أكدت الشبكة أن سوريا تقف على مفترق طرق تاريخي، وتحتاج إلى خطة وطنية شاملة لمواجهة إرث كبير من انتهاكات النظام السابق.
وقد حددت المنظمة أربعة ركائز للعدالة الانتقالية: المساءلة الجنائية، كشف الحقيقة والمصالحة، التعويضات، والإصلاح المؤسسي، وخصوصًا في قطاعي القضاء والأمن. وقد وثقت الشبكة 16,200 شخص متورطين بانتهاكات في زمن الحرب، من بينهم أفراد في الجيش وأجهزة الاستخبارات وميليشيات تابعة لها.
وحذر خبير الحوكمة زيدون الزعبي من أن الفشل في تحقيق العدالة قد يكرّس أعمال العنف. وقال لـ”العربي الجديد”: “هذا هو السبيل لوقف الجرائم”، داعيًا الإدارة الجديدة إلى إعطاء الأولوية للوضوح القانوني وكسب ثقة الجمهور.
الخيمة ستبقى قائمة
بالنسبة للعائلات المجتمعة في خيمة الحقيقة، فإن العدالة ليست شعارًا سياسيًا، بل مطلب أخلاقي. أعلن المنظمون: “سنواصل حتى تتحقق العدالة”. وبينما تبدأ التحقيقات وتبحث سوريا عن طريق للمضي قدمًا، تبقى هذه العائلات في الطليعة، رافضة أن يطغى النسيان على قضيتهم أو يسود الصمت.