
تُهيئ سوريا نفسها للعودة الرقمية، كاشفةً عن خارطة طريق طموحة لتحديث بنيتها التحتية للاتصالات، واعتماد الذكاء الاصطناعي ركيزةً أساسيةً للانتعاش الاقتصادي والتنمية.
دمشق تستضيف المؤتمر الوطني الأول للذكاء الاصطناعي
افتتح مؤتمر “سوريا 2025″، الأول من نوعه في البلاد، هذا الأسبوع في دمشق تحت شعار “الاستراتيجيات العربية لاقتصاد المستقبل”. يُنظم المؤتمر وزارة الاتصالات السورية، والاتحاد العربي للإنترنت، والجمعية المعلوماتية السورية، ويعكس تركيز الحكومة المتزايد على التكنولوجيا كمحركٍ للتجديد الاقتصادي والتكامل الإقليمي.
في الجلسة الافتتاحية، أعلن وزير الاتصالات، عبد السلام هيكل، عن الإطلاق التجريبي لخدمات الجيل الخامس في دمشق، واصفًا إياها بـ”خطوة مهمة” نحو ترسيخ مكانة سوريا كمركز إقليمي للبيانات. وقال: “أطلقنا اليوم الجيل الخامس من الاتصالات في دمشق تجريبيًا. ونقوم بعملٍ هام لتطوير الاتصالات والإنترنت في سوريا”. يجمع المؤتمر، الذي يختتم أعماله التي استمرت يومين، اليوم 7 مايو، خبراء ومستثمرين وصانعي سياسات لاستكشاف الأمن السيبراني، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتنمية المواهب، والتعاون الإقليمي. وقد أبرزت عروض قدرات الجيل الخامس والمناقشات التفاعلية عزم الدولة على سد الفجوة الرقمية المتزايدة.
نحو اقتصاد متصل
قدّم هيكل أيضًا مشروع “شبكة الإنترنت الإقليمية”، وهو مبادرة استراتيجية تهدف إلى ربط سوريا بمسارات البيانات العالمية مع تخفيف الاختناقات التقنية طويلة الأمد. وأكد أن سوريا ستكون بمثابة نقطة محورية في هذه الشبكة الناشئة، بدعم من المهندسين المحليين والشركاء الدوليين على حد سواء.
في حين أن سنوات من الصراع والعقوبات قد دمرت البنية التحتية وأعاقت التقدم، تقول الحكومة إن جهودها الحالية تمثل تحررًا واضحًا من الركود. وقالت القائمة بالأعمال الألمانية، مارغريت جيكوب، خلال اجتماع مع هيكل: “إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا تفتح آفاقًا جديدة”، مؤكدةً دعم ألمانيا للتنمية الرقمية، ومشيرةً إلى الوجود الكبير للاجئين السوريين في أوروبا.
في محادثات منفصلة، التقى هيكل أيضًا بالسفير السعودي فيصل المجفل، الذي أعرب عن استعداد الرياض لتقديم المساعدة الفنية والتعاون في مشاريع اتصالات مشتركة تتماشى مع أهداف إعادة إعمار سوريا.
التحديات لا تزال قائمة
على الرغم من الزخم الأخير، إلا أن الطريق أمامنا شاق. إذ لا تزال الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، ونقص التمويل، والعقوبات الدولية المستمرة تُبطئ التقدم. أقر هيكل بهذه العقبات، لكنه شدد على أهمية إنعاش القطاع. وقال: “البنية التحتية مُتضررة بشدة، وسوريا متأخرة عن التقدم التكنولوجي الذي شهدته دول أخرى في العالم على مدى السنوات الأربع عشرة الماضية”.
وقد التقت وزارة الاتصالات بأكثر من 100 شركة و42 مجموعة استثمارية، بما في ذلك شركات مقرها الولايات المتحدة، لجذب الشركاء وتأمين الموارد. كما تعمل على توسيع نطاق تغطية الخدمة وتحسين الوصول إلى الإنترنت في المناطق الريفية والنائية، حيث لا يزال الاتصال شحيحًا.
في حين تتطلع سوريا إلى التحول الرقمي، يقول المسؤولون إن الدفع نحو الابتكار لا يقتصر على التحديث فحسب، بل يشمل أيضًا السيادة والاستقرار على المدى الطويل. ويمثل المؤتمر خطوة عامة في هذا الاتجاه ــ خطوة متجذرة في التعاون الإقليمي، والتخطيط الاستراتيجي، والأمل في سد الفجوة الرقمية المتزايدة الاتساع في البلاد.