
في تحول كبير في السياسة الأمريكية، أعلنت الولايات المتحدة رفع العقوبات عن سوريا من خلال إصدار إعفاء شامل يفتح الباب أمام الاستثمارات والتعاون مع الحكومة الانتقالية الجديدة في البلاد. وقد تم اتخاذ القرار عبر “الترخيص العام رقم 25” الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية في 23 أيار، مما يعلن عن بداية فصل جديد في العلاقات الأمريكية السورية بعد أكثر من عقد من العقوبات.
إعفاء شامل يستهدف التعافي الاقتصادي
أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة هذا الترخيص، الذي يجيز المعاملات التي كانت محظورة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” وغيره من القوانين الفيدرالية. ويسمح الترخيص للجهات الأمريكية والدولية بالاستثمار في قطاعات حيوية مثل النفط، والمصارف، والسياحة، والبنية التحتية. وأكد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، أن الإعفاء لمدة 180 يومًا يهدف إلى تسهيل جهود التعافي دون إعاقة نمو القطاع الخاص.
وقال روبيو للصحفيين: “إن إجراءات رفع العقوبات تمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق رؤية الرئيس لعلاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة”، مضيفًا: “نتوقع تحركًا سريعًا من الحكومة السورية في الفترة المقبلة”.
نطاق واسع دون جدول زمني محدد
ورغم شمولية الترخيص، شدد المسؤولون الأمريكيون على أن عملية رفع العقوبات بشكل كامل لا تزال دون جدول زمني محدد. وبيّن المتحدث باسم وزارة الخارجية، مايكل ميتشل، أن بعض العقوبات يمكن رفعها فورًا بأوامر تنفيذية، بينما يتطلب إلغاء العقوبات التي أقرها الكونغرس خطوات تشريعية معقدة.
وقال ميتشل في مقابلة مع “الإخبارية السورية”: “أمامنا إجراءات قانونية وإدارية… فالعقوبات التي فُرضت بأوامر تنفيذية يمكن معالجتها سريعًا، أما تلك التي أقرها الكونغرس فستأخذ وقتًا أطول”.
ويشمل الترخيص العام رقم 25 قائمة واسعة من الشخصيات والمؤسسات السورية التي أصبحت مشمولة بالإعفاء القانوني، بما في ذلك الرئيس أحمد الشرع، وزير الداخلية أنس خطّاب، مصرف سوريا المركزي، كبرى شركات النفط، والمصارف الوطنية. لكنه يستثني المعاملات التي تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية، كما تبقى الأموال المجمدة سابقًا على حالها.
ردود فعل متباينة تجاه المسار الجديد
رحبت وزارة الخارجية السورية بالقرار واعتبرته خطوة مهمة نحو التعافي، وقالت في بيان رسمي إن الإعفاء “سيخفف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية في سوريا”، وأكدت التزامها بـ”الاحترام المتبادل وعدم التدخل” في العلاقات الدبلوماسية المستقبلية.
ومع ذلك، أثار غياب المعايير الواضحة والطبيعة المفتوحة للترخيص بعض الانتقادات. وبينما وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الخطوة بأنها “فرصة لبداية جديدة”، يرى مراقبون أن نجاح هذا الإعفاء سيتوقف على أداء الحكومة السورية وتعاطيها مع الإصلاحات الداخلية.
وقال ميتشل: “الحكومة السورية تتصرف بعقلانية وبشكل مقبول… وقد خرجنا بانطباع جيد بعد لقائنا بالرئيس الشرع”.
ومع اقتراب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل، حيث من المقرر أن يلقي الرئيس السوري كلمة في أول ظهور من نوعه منذ أكثر من خمسة عقود، يرى كثيرون في ذلك لحظة رمزية مفصلية. لكن نجاح رفع العقوبات قد يعتمد في النهاية على مدى سرعة تحويل سوريا لهذه الفرصة إلى تغيير ملموس.