
تثير ميليشيات “الحرس الوطني” التي أسسها حكمت الهجري في محافظة السويداء السورية قلقاً واسعاً بشأن تصاعد النزعات الانفصالية والطائفية في معقل الدروز المضطرب. ففي 23 آب/أغسطس أعلن أكثر من 30 فصيلاً محلياً الاندماج تحت مظلة “الحرس الوطني” بقيادة الهجري، المرجعية الروحية الدرزية المدعومة من إسرائيل.
تضم هذه التشكيلات شخصيات مثيرة للجدل، من بينها أعضاء في شبكات إجرامية متورطة بالخطف والسطو وتجارة المخدرات، إضافة إلى ضباط سابقين في نظام الأسد مثل جهاد الغوطاني، المعروف بقيادته هجمات بالمدفعية ضد المدنيين في ريف دمشق وإدلب. وروّج الحرس لنفسه كـ”مظلّة دفاعية للسويداء”، معلناً الولاء للهجري وواصفاً نفسه بـ”الذراع العسكرية الشرعية للطائفة الدرزية”. وانتشرت مقاطع على فيسبوك تُظهر انضمام قادة من “قوات سيف الحق” و”قوات الفهد”، فيما دعا الهجري المجتمع الدولي لدعم إنشاء إقليم منفصل جنوب سوريا، موجهاً شكراً صريحاً لإسرائيل والولايات المتحدة.
انقسام داخل القيادة الدرزية
أثار الإعلان خلافات في صفوف القيادات المحلية. الشيخ ليث البلعوس، نجل الزعيم الدرزي الراحل وحيد البلعوس، شجب تشكيل الحرس الوطني واعتبره “نسخة من الحرس الثوري” وأنه سيجر الخراب، مضيفاً أن أهالي السويداء كانوا يتوقعون من الهجري أن يقودهم نحو الاستقرار لا أن يتحالف مع مجموعات متهمة بالخطف والنهب والابتزاز.
أما حركة رجال الكرامة، الفصيل الأكثر نفوذاً في السويداء، فقد امتنع بداية عن الانضمام، لكن زعيمها الجديد مزيد خدّاج أعلن لاحقاً تأييداً مشروطاً، مبرراً ذلك بالحاجة إلى وحدة الصف. وتأسست حركة رجال الكرامة عام 2013 على يد وحيد البلعوس لمقاومة نظام الأسد، وحرصت منذ ذلك الحين على التأكيد أنها تدافع عن وحدة سوريا.
خلفيات التوتر بعد أحداث تموز
جاء تشكيل الحرس الوطني بعد أسابيع من الاضطرابات الدامية الشهر الماضي. ففي 13 تموز/يوليو اندلعت اشتباكات بين فصائل درزية وعشائر بدوية، تدخلت إثرها القوات الحكومية قبل أن تنسحب بعد ثلاثة أيام، بالتزامن مع غارات جوية إسرائيلية على مواقع للجيش السوري. أعقب ذلك استهداف عائلات بدوية من قبل الفصائل المحلية، ما أشعل دوامة من الثأر. وبحلول منتصف آب/أغسطس، نظّم أنصار الهجري تجمعاً في ساحة الكرامة بالسويداء رفعوا خلاله أعلام إسرائيل ورددوا دعوات لـ”تقرير المصير”، معلنين رفضهم لسلطة دمشق.
وفي تصريحات نقلتها شبكة “الراصد”، قال الهجري إن “المشروع انطلق بعنوان جديد، بعد المحنة التي استهدفت إنهاء الطائفة الدرزية”، مضيفاً أن لجنة قانونية ستتولى إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية في المحافظة.
تداعيات إقليمية
يرى محللون أن التصعيد يبرز اتساع تدخل إسرائيل في جنوب سوريا، حيث تسعى تل أبيب منذ سنوات إلى إضعاف دمشق عبر تشجيع إنشاء كيانات حكم ذاتي. ويشير ظهور الأعلام الإسرائيلية في التظاهرات، إلى جانب شكر الهجري الصريح لإسرائيل، إلى تحوّل في التحالفات قد يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
بالنسبة لدمشق، فإن تشكيل “الحرس الوطني” يهدد بتقويض السلطة المركزية في محافظة كانت تُعتبر مستقرة نسبياً. أما بالنسبة لدول الجوار والقوى الدولية، فإن بروز ميليشيات طائفية جديدة ينذر بامتداد الصراع في وقت ما تزال فيه سوريا ممزقة بفعل الحرب.