
بعد انهيار نظام بشار الأسد، تواجه سوريا أزمة إنسانية حادة تتسم بانعدام الأمن الغذائي، ودمار البنية التحتية، وانهيار النظام الصحي. تعمل المنظمات الدولية بشكل عاجل على تعبئة الموارد لتلبية احتياجات ملايين السوريين المتزايدة، لكن فجوات التمويل والدمار الشامل تشكل عقبات كبيرة.
الأمن الغذائي
أعلن برنامج الأغذية العالمي (WFP) يوم الخميس أنه يحتاج إلى 250 مليون دولار على الفور لتقديم مساعدات إنقاذ الحياة لـ 12.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم 3 ملايين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وأكد كين كروسلي، مدير برنامج الأغذية العالمي في سوريا، على أهمية التحرك السريع لمعالجة الأزمة. وقال: “ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، وانهارت العملة السورية، وأصبحت السلع الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت شحيحة. خلال هذا الوقت الحرج في سوريا، فرق برنامج الأغذية العالمي على الأرض لضمان وصول المساعدات للفئات الأكثر ضعفاً.”
يقوم البرنامج بتوسيع عملياته لخدمة 2.8 مليون شخص نازح، من خلال توزيع وجبات جاهزة وسلال غذائية في مناطق مثل حمص وحلب والرقة والحسكة. وخلال الأسبوعين الماضيين، تلقى 70 ألف نازح وجبات طازجة، لكن حجم الاحتياجات ما زال يتزايد.
أطلقت قطر جسرًا جويًا لتقديم الغذاء والمستلزمات الطبية والمأوى للسوريين، وهبطت أول طائرة في مدينة غازي عنتاب التركية في وقت سابق من هذا الأسبوع. بالإضافة إلى ذلك، تعهدت المملكة المتحدة بتقديم 11 مليون جنيه إسترليني (14 مليون دولار) كمساعدات إنسانية لدعم الفئات الأكثر ضعفاً. كما كثفت منظمات الإغاثة مثل كاريتاس الدولية جهودها، مطالبة بإعادة بناء البنية التحتية الحيوية للمياه والطاقة، خاصة في إدلب، حيث يواجه النازحون ظروفًا قاسية.
القطاع الصحي المدمّر
تعرض قطاع الصحة في سوريا لدمار كبير جراء سنوات الصراع، حيث أصبحت 58% من المستشفيات غير صالحة للعمل، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO). كما أن فجوة تمويل تصل إلى 98% تعرقل الجهود المبذولة لإعادة بناء هذا القطاع.
وصفت الدكتورة مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، الأزمة الصحية بأنها كارثية. وقالت: “يفتقر ملايين السوريين إلى الرعاية الطبية الأساسية، والمخاطر في جنوب سوريا على وجه الخصوص مقلقة.”
تعاني البلاد من نقص حاد في سيارات الإسعاف، والمعدات الطبية، والكوادر المؤهلة، بينما تزيد تكاليف العلاج المتصاعدة من تفاقم الأزمة. أدى تدمير مئات المستشفيات واستهداف المراكز الطبية من قبل النظام السابق وحلفائه إلى حرمان الملايين من الرعاية الصحية. بالإضافة إلى ذلك، هاجر العديد من الأطباء والمهنيين الطبيين، مما زاد الضغط على النظام الصحي المنهار.
دمار البنية التحتية
سلّطت منظمة الخوذ البيضاء، الدفاع المدني السوري، الضوء على حجم الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية المدنية والمنازل نتيجة قصف النظام السابق. وقالت المنظمة: “تم تدمير مدن وبلدات بأكملها وتحويلها إلى أنقاض،” محذرة من أن هذا الدمار يمنع النازحين السوريين من العودة إلى منازلهم.
هذا الواقع جعل ملايين الناس يعتمدون على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. تدعو المنظمات الميدانية المجتمع الدولي إلى تخفيف العقوبات التي تعيق جهود الإغاثة، كما تطالب بدعم أكبر لإعادة الإعمار.
الحاجة إلى التعاون الدولي
رغم التحديات المستمرة، تؤكد المنظمات الإغاثية والحكومات على أهمية التضامن مع الشعب السوري خلال هذه الفترة الانتقالية. وقال كروسلي من برنامج الأغذية العالمي: “المساعدات الغذائية ليست مجرد شريان حياة، بل هي رسالة طمأنة تخبر المجتمعات بأنهم ليسوا وحدهم.”
دعت مجموعات الإغاثة مثل كاريتاس إلى إعادة تقييم العقوبات الدولية لتسهيل إيصال المساعدات، بينما ناشدت الحكومة السورية الأمم المتحدة لإعطاء الأولوية للمساعدات الإنسانية. ومع مواجهة الحكومة الجديدة والشعب السوري المهمة الهائلة المتمثلة في إعادة بناء بلد دمرته الحرب والحرمان وعقود من الديكتاتورية، أصبحت الحاجة إلى التعاون الدولي الشامل أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.